رؤية المَسِيح في العهد القديم

أبنير تشو Abner Chou منذ خمسمائة عام، نادى المصلِحون بشعار «سولوس خريستوس»، أي المَسِيح وحده. كان هذا الشعار هو نبض عصر الإصلاح. لكن، وبعد مرور خمسمائة عام، ما زال شعار «المَسِيح وحده»يقف
المزيد

لماذا نقول عن المسيح إنه ابن الإنسان وابن الله؟

بقلم تول تويس ما دلالة جمع هذيْن اللقبيْن معًا في مشهد محاكمة المسيح؟ هل كان الغرض هو الإشارة إلى وجود علاقة مُعيّنة بين ابن الإنسان وابن الله؟ ردًا على هذا، نلاحظ
المزيد

الكتاب المقدس في بيئته

بيئة الإنسان الطبيعية في معظمها هي من صنع يديه ، هذه الحقيقة وضعها شيشرون في فم بالبوس الذي قال في خطابه : " نحن البشر نتمتع بمر السهول والجبال .
المزيد

مَصير الإنسَان النّهائي

للشهادة المسيحية الأمينة استجابتان: فالبعض يقبلون المسيح ويخلُصون، وآخرون يرفضونه ويضيعون: «فَإِنَّ كَلِمَةَ ٱلصَّلِيبِ عِنْدَ ٱلْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ ٱلْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ ٱلله» (1كورنثوس 1: 18). قد تكون هذه الكلمات
المزيد

أساسيات الحياة المسيحية - الدرس الرابع

قوة الصلاة ترجمة أشرف بشاي أبناء وورثة في عائلة هي الأكثر ثراء في الكون كله «وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِه»(يوحنا ١: ١٢)، «لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ
المزيد
الكرازة في العهد الجديد

الكرازة في العهد الجديد

 

الكرازة في العهد الجديد

تأليف: جوناثان جريفيث

من مقدِّمة الكاتب

يتّفق كثيرون من المسيحيين في قناعةٍ مفادُها أنّ الوعظ بكلمة الله يكمُن في لُبِّ خطط الله للإنجيل في زماننا هذا؛ وبكونه أمرًا حيويًا لأجل سلامة الكنيسة؛ وأنّ الوعظ هو المُهمّة المركزية الموكَلة للراعي المُعلّم. ولكن كثيرين ممّن يتّفقون معًا في تلك القناعات بشأن الوعظ رُبّما يصارعون مُحاولين تقديم تعريف وافٍ تمامًا من الكتاب المُقدَّس للوعظ. 

 

كان هذا هو قطعًا اختبارًا شّخصيّا لكاتب هذا الكتاب. وبالتّالي، يصحُّ أن نطرح هذا السّؤال: أمن الممكن أن تكون تلك القناعات بشأن تميُّز «الوعظ«ومركزيته قد بُنيت، ببساطة، على مزيج من التّاريخ وجرعة مُكثّفة من البراغماتية أو المذهب العمليّ، وليس على الكتاب المُقدَّس نفسه؟ في جُعبة التّاريخ الكثير ممّا يمكن أن يُعلِّمنا إياه، كما أنّ الاهتمامات البراغماتية ليست غير مُلائمة لنا، لكن علينا ألا نسمح للتاريخ أو البراغماتية  بأنّ يتحكَّما في اللاهوت. والسّؤال الحيويّ الّذي نطرحه الآن هو: ماذا يقول الكتاب المُقدَّس عن هذه القضية؟

لماذانُصدر كتابًا آخرعن الوعظ؟

لدينا في السّاحة الإنجيلية اليوم قدرٌ كبيرٌ جدًا من الكتابات الجيّدة والنّافعة عن الوعظ. يَنصَبُّ اهتمام الغالبية العُظمى من هذه الكتابات بصُورة أساسية على قضية «كيف«نعظ. بالطبع هذه قضية حيوية يلزم تناوُلها، لكنها ليست محط اهتمامنا في هذا الكتاب. أيضًا يتناول عددٌ أقل بكثير من الكُتُب بصُورة أساسية قضية طبيعة الوعظ وعلم الوعظ بحسب الكتاب المُقدَّس.  قامت هذه الدّراسات بتتبُّع نشاط المُناداة العلنية بكلمة الله عبر كُلّ الكتاب المُقدَّس، بدرجات مُختلفة من التّفصيل، مُوضِّحة الطبيعة اللاهوتية للوعظ في ضوء ذلك التّمشيط واسع النّطاق. وبوجه عام، اعتبرت هذه الكُتُب استخدام الله للوعظ بكلمته طوال تاريخ تعامُلاتِه مع شعبه أمرًا أساسيًا، وأنّه يلزم بالتّالي أن تتشكّل مُمارسة الوعظ في السّياق المُعاصر، أي سِياق ما بعد الرُّسُل، من خلال الدّروس الّتي نتعلّمها من ظاهرة الوعظ في كُلّ الكتاب المُقدَّس. لهذه النّظرة العامّة قيمة كبيرة، ولكننا لا نهدف في هذه الدّراسة إلى تكرار اكتشافاتها.

ولكن، يظلُّ لدينا سُؤالان عالِقان، مُتصلان ببعضهما البعض (ومنهما تنبع بعض الأسئلة الثّانوية).

أوّلًا، بحسب الكتاب المُقدَّس، هل يُوجد حقًا ما يُسمَّى بخدمة «الوعظ«، والّتي يُمكن تمييزها عن الصّور الأخرى من خدمات الكلمة؟ أو، إن كُنّا نجد هذه الظّاهرة بالفِعل في سِياق الخدمات النّبوية للعهد الْقَدِيم، أو في خدمات يَسُوع ورسله، أما زال هناك اليوم، في عصر ما بعد الرُّسُل، خدمة خَاصّة للكلمة تُسمَّى بخدمة «الوعظ«؟ ففي النّهاية، لدى المؤمنين الممتلئين من الرّوح القُدُس في هذا العصر الإمكانية والقدرة على التّفوه بكلمة الله (انظر على سبيل المثال أَعمَال الرُّسُل 2: 18). رُبّما إذًا عفا زماننا هذا عن الوعظ كنشاط خاص. غالبية الدّراسات عن الوعظ تفترض ببساطة وجود ظاهرة بارزة ومتخصِّصة تُسمَّى «الوعظ«، وهذه الظاهرة مستمرة في عصر ما بعد الرُّسُل؛ لكن يبدو ضروريًا أن نتناول هذه القضية بعناية من الكتاب المُقدَّس، ولا نكتفي بقبول هذا الافتراض الشّائع.

يتحتّم علينا إذًا أن نتناول هذه المسألة في ضوء خلفية التّعليم الواضِح للكتاب المُقدَّس بأنّ جميع أعضاء شعب الله مدعوون للاشتراك في خدمة الكلمة. لدى جميع المُؤمنين دورٌ يلعبونه في «عَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيح«، وذلك بأن يكونوا «صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ«[المترجم: بحسب التّرجمة الإنجليزية لهذا النّص: «مُتكلِّمين بالحقِّ في المحبة«] (أفسُس 4: 12، 15). وكشعب الله مجتمعًا، علينا أن نتوق ونُصلّي كي تسكن فينا «كَلِمَةُ الْمَسِيح«بغِنى، حتى نصير أهلًا كي «بكُلّ حِكْمَةٍ مُعَلِّمُونَ وَمُنْذِرُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا«(كُولوسي 3: 16). جميع المؤمنين مدعوون إلى أن «يعظوا«[المترجم: يحثّوا ويُشجِّعوا] بعضهم البعض في الكلمة (عبرانيّين 3: 13؛ 10: 25). وبالنّظر بالعين المُجرَّدة إلى الْعَهْد الْجَدِيد، يبدو جليًا أنّه يعكس كلًا من الحقيقة التّاريخية لاشتراك المُؤمنين في الإرسالية الكرازية للكنيسة، بالإضافة إلى التّوقُّع بأن يستمرّوا في هذا.

بما أن الْعَهْد الْجَدِيد يعرض لنا مجموعة من خدمات الكلمة داخل الكنيسة، فإنّ جُزءًا من مُهمّتنا هُنا هو أن نُميّز المكانة الّتي يشغلها «الوعظ«(إن أمكن تمييز شيء كهذا في تعليم الْعَهْد الْجَدِيد) داخل الظّاهرة الأوسع نطاقًا لخدمة الكلمة، حيث يشترك جميعُ المؤمنين بحقٍّ. ما هي العلاقة الّتي تجمع بين «وعظ«الرّاعي المُعلّم وخدمة الكلمة الّتي يُقدّمها قائد مجموعة صغيرة لدراسة الكتاب المُقدَّس، أو خدمة المؤمن الّذي يُقدّم تشجيعًا سريعًا من الكتاب المُقدَّس لصديقٍ محبط وخائر القوى، أو خدمة تلك المؤمنة الّتي تقدم رسالة الإنجيل لزميلتها في العمل؟

لقد برزت هذه القضية إلى السّطح في الأعوام الأخيرة في سِياق النّمو السّليم للغاية لخدمة «جميع الأعضاء«[every-member ministry] في الكثير من الكنائس [المُترجم: أي التّوجه الّذي مفاده أنّ جميع المُؤمنين لهم أهمية مُتساوية في بنيان جسد الْمَسِيح، دون أن يقتصر الأمر على المناصب الكنسية]. في الكثير من إنجيلية العصر الْقَدِيم، كانت خدمة شخص واحد في الكنيسة تحتل المركز. فمُنذ خمسين عامًا، كان يُنتظَر من الرّاعي الرّئيسيّ في الكثير من الكنائس الإنجيلية أن يقوم تقريبًا بكُلّ شيء يتعلّق بخدمة الكلمة والاهتمام الرّعويّ. فمن الجيّد أنّنا صرنا نتعلّم بصُورة مُتزايدة كيف نُشجِّع خدمة كُلّ شعب الله بداخل الكنيسة الواحدة. لدى الكثير من الكنائس الأكبر حجمًا أعدادٌ لا بأس بها من العلمانيّين الواسعي العلم والمعرفة، والقادِرين والمُؤهَّلين لتعليم الكتاب المُقدَّس في أطر ومجالات مُتنوِّعة، وبالتّالي، ارتفع كثيرًا مقياس خدمة الكلمة من قبل «علمانيّين«. يدعو هذا إلى الكثير من الشّكر، وعلينا أن نُصلّي كي يستمر هذا التّوجه ويزداد في الأعوام القادمة.

وتزيد هذه التّطورات الصّحية في ثقافتنا الإنجيلية من وُضوح السّؤال التّالي أمامنا: إن كان القديسون مُؤهَّلين جيّدًا بالفعل «لِعَمَلِ الْخِدْمَة«، وإن كانوا «صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّة«على نحو مُثمر، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيح (أفسس 4: 12-15)، فهل بإمكاننا حقًا تمييز وجود اختلاف بين خدمة الكلمة الّتي يقوم بها، على سبيل المثال، قائد لمجموعة صغيرة لدراسة الكتاب المُقدَّس، وخدمة الكلمة الّتي يُقدّمها الواعظ صباح يوم الأحد؟ هل يُحدّد الكتاب المُقدَّس فارقًا لاهوتيًا حقيقيًا هنا؟ أم أنَّ الرّأي الّذي يفصل بأية صُورة من الصّور بين وعظ المنبر والصّور الأخرى من خدمة الكلمة مُجرَّد رأي مُرحَّل من عصر قديم من الإنجيلية – أي أنّه جُزء من مُمارسات تاريخية وثقافية ليس لها أساس فعليّ في الكتاب المُقدَّس، وحريٌّ بنا التّخلُّص منها؟ كي نجعل هذا السّؤال أكثر تحديدًا نقول: بحسب الكتاب المُقدَّس، هل يُوجد ما يُسمَّى بخدمة «الوعظ«، هي تكليف إلزاميّ في سِياق ما بعد الرُّسُل؟ وإن كان كذلك، كيف يمكننا وصفها وتعريفها؟

وإن قبلنا للحظة إمكانية وُجود ما يُسمَّى بخدمة «الوعظ«في سِياق ما بعد الرُّسُل، بحسب الكتاب المُقدَّس، فإنّنا إذًا سنقف أمام سُؤالٍ ثانٍ، وثيق الصّلة بالسّؤال الأوّل: ما العلاقة بين «وعظ«زمن ما بعد الرُّسُل ووعظ أنبياء الْعَهْد الْقَدِيم، وأيضًا وعظ يَسُوع ورُسُلِه؟ كما ذكرنا بأعلاه، بيَّن عدد قليل للغاية من المُعالجات الكتابية أو اللاهوتية عن الوعظ من الكتاب المُقدَّس وجود خط استمرارية بين تلك الخدمات الوعظية. وقبل أن نُحاول تعلُّم أي شيء عن طبيعة الوعظ في زمن ما بعد الرُّسُل من خلال خدمات أنبياء الْعَهْد الْقَدِيم، وخدمات يَسُوع أو الرُّسُل، من الجدير بالأهمية أن نفكر مليًا إن كان الْعَهْد الْجَدِيد يُؤكِّد على هذه الاستمرارية أم لا، وإن كان يُؤكِّد عليها، فما هي طبيعتها بالتّحديد؟

سيستلزم تناولنا لهذه الأفكار والتّساؤلات بأي قدرٍ من التّفصيل أن نُجري تحليلًا متمعنًا وممتدًا لبعض النّصوص المفتاحية من الْعَهْد الْجَدِيد. وإذ تُسلّط هذه الدّراسة الضّوء على هذه القضايا بصُورة خَاصّة من خلال الْعَهْد الْجَدِيد (فهي غير مُصمَّمة كي تُحاول تفسير وشرح جميع أجزء الكتاب المُقدَّس المُتعلّقة بشكل ما بقضية الوعظ)، فإنّنا إذًا سنتمكّن حتمًا من تخصيص مساحة لتحليل هذه النّصوص المفتاحية القليلة، أكبر من المساحة المُتاحة لدينا في الدّراسات الأوسع نطاقًا.

ماأهميةهذه الأسئلة؟

ثمة أهمية حيوية لتأكُّدنا من وجود أساس كتابيّ لمُمارسة «الوعظ«، هذا لأن استنتاجنا سيُحدّد ما إن كُنّا سنتمسك بخدمة الوعظ أم لا في زمنٍ لم تعُد تلقى فيه استحسانًا لدى المجتمع والفكر الإنجيليّ، أو في مواسم من حياة الكنيسة حيث تبدو أقل فاعلية. فإن كانت أهمية الوعظ تكمن فقط في عراقته التّاريخية أو في فائدته العملية، فلا يُوجد سبب وجيه إذًا يدفعنا إلى الحِفاظ على هذه المُمارسة بينما تتغيّر الأزمنة.

أيضًا ثمّة أهمية مساوية أن نُوضّح الطبيعة اللاهوتية للوعظ، وهذا لأنّ استنتاجاتنا بشأنها ستؤثِّر بشكل كبير على بعض جوانب خدمتنا وعلى حياة الكنيسة؛ فإنّها ستُشكّل الكيفية الّتي نربط بها صُورًا أُخرى من خدمة الكلمة بالوعظ، كما ستُشكّل كيفية إعدادنا للعظات وتقديمنا لها، وأيضًا الكيفية الّتي يُصلّي بها الوعاظ لأجل وعظهم، وأخيرًا ستُحدّد ما لا بُد أن تتوقّعه الكنائس بحقٍّ من الوعظ.

وأخيرًا، يُمثّل ترسيخنا للطبيعة المميَّزة للوعظ (إن وجدنا أنّ له هذه الطبيعة المُميّزة)، في الكنائس الّتي تتبنّى قناعات تكميلية بشأن أدوار الرّجال والنّساء في الخدمة، أساسًا ضروريًا لمُناقشة ما إن كان من الملائم للنساء أن تعظ أم لا. فإنّنا إن توصلنا بالتّأكيد إلى استنتاج عدم وجود طبيعة لاهوتية مُميّزة للوعظ، فرُبّما إذًا يتحتّم على الكنائس الّتي تسمح للرجال وحدهم بالوعظ أن تُراجع موقفها. ففي هذه الحالة، رُبّما يُحكَم على استبعاد النّساء من صُورة واحدة من خدمة الكلمة، لا من صُورة أُخرى، بأنّه تصرُّف تعسُّفي وغير مبرَّر. وفي ضوء اشتداد حِدّة الجدل بشأن أدوار الجِنسيْن في الخدمة، ممّا يُؤدّي إلى زيادة الانقسامات، يبدو أمرًا حيويًا بدرجة أكبر أن تتأكّد الكنائس من وُجود أساس سليم في الكتاب المُقدَّس للقرارات الخَاصّة بهذه المُمارسة.

شكل هذه الدّراسة ونطاقها

ينصب اهتمام هذا الكتاب في الأساس على البحث في الْعَهْد الْجَدِيد من أجل إجابة الأسئلة الّتي طرحناها بأعلاه. وبالتّالي، فهو سيتكوّن الكتاب، بشكل رئيسيّ، من سلسلة من الدّراسات التّفسيرية لنُصوص مفتاحية من الْعَهْد الْجَدِيد تتعلّق بالوعظ. لكن قبل أن نتوجّه إلى تلك الدّراسات التّفسيرية، سنتناول في القسم الأَوَّل من الكتاب ثلاث قضايا تأسيسية. تتعلّق القضية الأولى بنظرة عامّة موجزة، بحسب اللاهوت الكتابيّ، على لاهوت كلمة الله. فإن كان الوعظ هو خدمة كلمة، فإنّ طبيعة الكلمة نفسها إذًا ستُشكِّل في الأساس طبيعته. وبالتّالي، تضع نظرة عامّة على اللاهوت الكتابيّ للكلمة حتمًا الأساس لأية استنتاجات لاهوتية لاحقة يمكن أن نتوصّل إليها بشأن طبيعة الوعظ. ثم سنتّجه بعد هذا إلى إلقاء نظرة عامّة على مُصطلحات يُونانية أساسية من الْعَهْد الْجَدِيد متّصلة بالوعظ، والّتي سيضفي اكتشافنا لها شكلًا ومضمونًا على دراساتنا التّفسيرية بشكل كبير. وبما أنّ أي دِراسة لخدمة الوعظ في الْعَهْد الْجَدِيد لا بُد أن تربط بالضّرورة بين الوعظ والخدمات الأخرى للكلمة داخل حياة الكنيسة، فإنّنا إذًا سنُولي في الفصل الثّالِث اهتمامًا لتعليم الْعَهْد الْجَدِيد عن نِطاق تلك الخدمات المُتنوِّعة وطبيعتها.

ستقوم الدّراسات التّفسيرية في القسم الثّاني من الكتاب بتسليط الضّوء على مقاطع من تعليم الْعَهْد الْجَدِيد، ذات صلة خَاصّة بسِياق عصر ما بعد الرُّسُل. يقودنا هذا بطبيعة الحال إلى تركيز خاص على الأسفار المُتأخّرة من الْعَهْد الْجَدِيد، ولا سيّما الرّسائل. في بعض الرّسائل، نرى نشاط الوعظ في سِياق ما بعد الرُّسُل بصُورة مُباشرة (كما في رسالة تيموثاوس الثّانية ورسالة العبرانيّين). وفي رسائل أُخرى، تمتد مقاطع فيها يتأمّل بُولُس في خدمته الكرازية والوعظية الرَّسُولية بطُرُق مُتنوِّعة ويدافع عنها  لتتحدّث عن وعظ وكرازة شركائه من غير الرُّسُل وآخرين، مُقدِّمة لنا بهذا مجالات من التّأمل التّفسيريّ المُثمر.

لن تُفسح لنا دِراسة بهذا الحجم المجال كي نتناول كافة النّصوص وثيقة الصّلة بموضوعنا من الرّسائل، لكننا سنُسلّط الضّوء على بعض الرّسائل (وعلى نُصوص مُحدّدة من الرّسائل) الّتي تتعلّق بصُورة مُباشرة بأكبر درجة بقضية الوعظ. سنتأمّل في الأصحاحين الثّالِث والرّابع من رسالة تيموثاوس الثّانية (مع تركيز خاص على 2 تيموثاوس 4: 2)، حيث يُكلّف بُولُس تيموثاوس بأن «يكرز«[اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ]؛ ثم في الأصحاح العاشِر من رسالة رُومية، حيث يتحدّث بُولُس عن إرسالية الكارزين وعن دور الكرازة والوعظ في مقاصد الله الخلاصية؛  وفي رسالة كورنثوس الأولى (ولا سيّما الأصحاحات 1-2،  9 ، 15)، حيث يدافع بُولُس عن خدمته الكرازية وعن منهجياته في الكرازة والوعظ في مدينة كورنثوس؛ وأيضًا في رسالة كورنثوس الثّانية (ولا سيّما الأصحاحات 3-5)، حيث يتأمّل بُولُس في طبيعة الخدمة الوعظية للعهد الْجَدِيد في علاقتها بخدمة الْعَهْد العتيق؛ وفي رسالة تسالونيكي الأولى (ولا سيّما الأصحاحات 1-2)، حيث يتأمّل بُولُس في خدمته الوعظية وثمارها في مدينة تسالونيكي؛ وأخيرًا، سنُلقي بالضّوء على رسالة العبرانيّين، الّتي تُعدُّ هي نفسها عظة مكتوبة.

وأخيرًا، سيُقدّم القسم الثّالِث من الكتاب موجزًا للاكتشافات التّفسيرية للدراسة، ثم يضعها داخل سِياق لاهوت كتابيّ، مقترحًا بعض التّطبيقات اللاهوتية الأوسع نطاقًا.

لقد تَعمَّدنا في هذه الدّراسة أن يكون مداها، ونطاقها، وتفاصيلها التّقنية محدودة كي نجعلها سهلة الفهم بقدر الإمكان. تعني هذه المحدودية أنّ هذا الكتاب لا يُمكنه أن يدَّعي كونه دراسة تفسيرية ولاهوتية شاملة عن «الوعظ«من الْعَهْد الْجَدِيد، بل إنّه بالأحرى سلسلة من المُلاحظات التّفسيرية واللاهوتية المُستقاة من بعض النّصوص المفتاحية، واضِعة في حُسبانها تناوُل الأسئلة الّتي طرحناها بأعلاه. نُضيف إلى هذا أيضًا أنّ أية إجابات مقترَحة عن هذه الأسئلة قد قُدِّمت بصُورة أوَّلية إلى حدٍّ ما، علمًا بأنّه ما يزال هناك المزيد من الجهد التّفسيريّ الّذي ينبغي بذله في الْعَهْد الْجَدِيد في هذا الشّأن.

وقد استلزم منّا المُستوى المُتقدِّم من الاهتمام بتفسير بعض نُصوص الْعَهْد الْجَدِيد الضّرورية لإجراء هذا التّحقيق بعض الانخراط الأساسيّ في علم دلالات الألفاظ اليُونانية [Greek semantics]. ولكنّنا مع هذا وضعنا مُناقشاتنا لهذه الموضوعات في إطار من المُصطلحات غير التّقنية بقدر الإمكان، وقُمنا بترجمة النّص اليُونانيّ صوتيًا حيث لزم إدراجه. وقد كان غرضنا وطموحنا بوجه عام أن تكون هذه الدّراسة ضليعة بما يكفي كي تكون حافزًا ودافعًا لمن تنبَّهوا بالفعل إلى القضايا الّتي تتناولها، ولمن رُبّما كانت لهم بعض الخبرة والتّمرس في دراسات الْعَهْد الْجَدِيد، وفي الآن ذاته أن تكون سهلة المنال والفهم بما يكفي كي يقرأها بسهولة الرّعاة الّذين لا يتاح لهم الكثير من الوقت للدراسة.

صدر الكتاب في اللغة الإنجليزيّة عام ٢٠١٦م تحت عنوان Preaching in The New Testament ضمن السلسلة الشهيرة NSBTالتي يُشرف عليها ويُقدِّم لها اللاهوتي الكبير دي ايه. كارسون D. A. Carson.ويُدرس الكتاب ككتاب دراسي Text Bookفي كثير من كليات اللاهوت المختلفة حول العالم.

 وقد صدر الكتاب في اللغة العربية عام ٢٠١٨م في طباعة فاخرة وغلاف ٤ لون. يقع الكتاب في ٢٢٤ صفحة من القطع المتوسط (١٥ سم * ٢٣ سم).

عرض كتاب

  الكرازة في العهد الجديد تأليف: جوناثان جريفيث من مقدِّمة الكاتب يتّفق كثيرون من المسيحيين في قناعةٍ مفادُها أنّ الوعظ بكلمة الله يكمُن في لُبِّ خطط الله للإنجيل في زماننا هذا؛ وبكونه...

مع ترجمة جديدة لبيان شيكاغو الصادر عام ١٩٧٨م حول مسألة عِصمة الكتاب المُقدّس تأليف كوكبة من كبار اللاهوتيين المعاصرين الذين يدافعون عن عِصمة الكتاب المقدّس من زوايا عديدة وآفاق مُختلفة. يقع...

لأن العلاقة بين شريعة مُوسَى وإنجيل المسيح يشوبُها الكثير من التشويش في أذهان الدّارسين بل والمسيحيين بشكل عام، فقد أصدرت دار كلام الحياة الأبديّة كتابًا مترجمًا تحت نفس العنوان، فبين كلمات الرب...