من كتاب الفكر اللاهوتي في سفر الرؤيا
تأليف
ريتشارد بوكهام
ترجمة
أشرف بشاي
لقد درسنا بإسهاب صورة الله المُتعالي الواردة في الأصحاح الرّابع، وبنفس القدر من الأهميّة ندرس الآن موضوعًا ذا صلة بسيادة الله. إنّه الاعتراف بأنّ الله هو الخالق، هذا الاعتراف الّذي تتضمّنه ترنيمةُ الأربعة والعشرين شيخًا.
«أَنتَ مُستَحِق أَيُّهَا الرَّبُّ
أَن تَأ خُذَ المَجدَ وَالكَرَامَةَ وَالقُدرَةَ،
لأَنَّكَ أَنتَ خَلَقتَ كُلَّ الأَشيَاءِ،
وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَت » (آية ١١).
هذه هي صورة الله الخالق كما تظهر في اليهُوديّة والتي نقلتها المسيحيّة بلا تردُد. إنّ الله الواحد هو الّذي يُوصف هنا بأنه الإله الّذي منح الوجود لكُلّ خلائقه، وباعتباره الخالق فإنّه وحده الّذي له السُّلطة المُطلقة على كُلّ خلائقه. وكالخالق، هو الشّخص الّذي تدين له الخلائقُ بوجودها وهو الوحيد المُستحق لعبادتها. وكما يُوضّحُ هذا الأصحاح نفسُه فإنّ الوحدانيّة التي ميّزت الدّيانة اليهُوديّة لم تكن قابلةً للمساومة أمام الاعتقاد الشّائع بوجود العديد من الآلهة الأخرى، لأنّه -وحسب اعتراف الشّيوخ هُنا- فهُم مخلوقات تدين بوجودها لله. وفي زمن كتابة العهد الجديد، كانت الوحدانيّة اليهُوديّة تُحدّدُ بواسطة مبدأ الخلق الّذي يقتضي تقديم العبادة ليهوه وحده دون سواه. إن الله هو الخالق لكُلّ شيئ، وهو بالتالي الوحيد الواجب له السّجود والعبادة.
ونتيجةً لذلك، فعندما يُعلن ملاكٌ ما «الإنجيل الأبديّ» لساكني الأرض داعيًا إياهم إلى التوبة من خلال الدّينونة النهائيّة الوشيكة، فإنّ جوهر هذا الإنجيل هو إدراك هذا الخالق وتقديم العبادة له: «خَافُوا اللهَ وَأَع طُوهُ مَج دًا، لأَنَّهُ قَد جَاءَت سَاعَةُ دَي نُونَتِهِ، وَاس جُدُوا لِصَانِعِ السَّمَاءِ وَالأَر ضِ وَال بَح رِ وَيَنَابِيعِ ال مِيَاه» (14: 7). إنّ العبادة التي يمنحها ساكنو الأرض جميعُهم للوحش (13: 8) هي عبادةٌ جديرةٌ بالله وحده، لأنّ الله هو بالحقيقة خالقُ كُلّ الأشياء، وليس الوحش.
إنّ الإيمان بالله الخالق ليس أمرًا يتعلّقُ بالتوحيد اليهُوديّ والمسيحيّ فقط، بل هو أمرٌ ضروريّ لتطوير الفهم اليهُوديّ والمسيحيّ الخاص بالاسخاتولوجي. فما دام الله هو المصدر الفائق لكُلّ الموجودات فهو يُمكن أن يكون مانحًا لإمكانيّات جديدة تمامًا لخلائقه في المُستقبل. إنّ الخليقة غير مُقتصرة على ما هو موجودٌ حاليًا فقط بل إنّ الأمر مفتوحٌ على إمكانيّات إبداعيّة جديدة سيُظهرها الخالق في قادم الزّمن. بهذه الطّريقة يُمكننا فهم إمكانيّة حدوث القيامة. إنّ الإيمان اليهُوديّ بالقيامة لم يكن مُؤسّسًا على الطّبيعة الكامنة في البشر التي تسعى للانتصار على الموت (على الرّغم من وجود بعض الحالات التي أُفتُرض أنّها تمكّنت من ذلك في الأغلب). كانوا يُعدّونه نوعًا أساسيًّا من الثقة بالله أنّ الله مُعطي الحياة هو الوحيد الّذي له الحق في استردادها، وهو الوحيد الّذي يستطيع منحها مُجدّدًا (بالقيامة). والأكثر من ذلك، فالله يستطيع أن يُعطي حياةً جديدة، فاسخاتولوجيًا تدوم الحياة الجديدة إلى الأبد ويختفي فيها التهديد بالموت. وبينما تنتهي الحياة البشريّة بالموت إذ ينفصل الإنسان عن خالقه إلا أنّ الله يُعطي الحياة الجديدة عند الاتحاد به وتكون هذه الحياة الجديدة مدخلًا إلى الخلود.[1]
لكن الرّجاء الاسخاتولوجيّ اليهُوديّ لم يكن فقط مُتعلّقًا بقيامة الأفراد من الموت، بل كان رجاءً مُرتبطًا بمُستقبل خليقة الله بأسرها. لقد كان رجاءً في خليقةٍ جديدة (راجع أخنوخ الأوّل 72: 1؛ 91: 16؛ باروخ الثاني 44: 12؛ كتاب الآثار المنحول لـ فيلو 3: 10؛ بُطرُس الثانية 3: 13؛ إشعياء 65: 17-66: 22). إنّ هذه الشّواهد لا تقصد استبدال خليقةٍ بخليقةٍ غيرها كما نرى في الشّواهد المُوازيّة التي تتكلّم عن تجديد الخليقة (يوبيل 1: 29؛ باروخ الثاني 32: 6؛ عزرا الرّابع 7: 75؛ قارن أخنوخ الأوّل 45: 5). أمّا الرُؤيا 21: 1 (التي تعكس أصداء اللغة الواردة في إشعياء 43: 18- 19؛ 65: 17) فتنتمي إلى المقاطع التي يمكن أن تُرى لأوّل وهلةٍ أنّها استبدال للخليقة بأخرى جديدة تمامًا «ثُمَّ رَأَي تُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَر ضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَر ضَ الأُولَى مَضَتَا، وَال بَح رُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَع د». إنّ الكلمات «الأُولى» و «الجديدة» تحمل بين طيّاتها إشارةً رؤيويّة فنيّة تُشيرُ إلى التناقُض بين الخليقة والدّهر الحاضر الزّائل من جانبٍ أوّل وبين الدّهر الجديد الّذي يحمل معه حياةً جديدة ومُختلفة تمامًا من حيثُ نوعيّتها من جانبٍ ثانٍ. وعلى نطاقٍ كونيّ نرى التوازي بين انتهاء الحياة البشريّة على الأرض من ناحية، وبين دوام حياة القيامة الأبديّة الجديدة من ناحية ثانية. إنّ الخليقة الأُولى بطبيعتها ترتدُّ إلى لا شيء، ويتطلّب الأمرُ فعلًا إلهيًّا جديدًا لإعطاء الخليقة شكلًا جديدًا للاستمرار والبقاء طارحةً كُلّ تهديدٍ بالشّرّ والدّمار، وساكنةً في المجد الإلهيّ، ومُشاركةً في وجوده الأبديّ. وكما تُوضّح الآيّة 21: 4 فإنّ نهاية الألم والموت ستتحقّق حينما يأتي موعد قول الرّائي: «لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَد مَضَت». هذا التناقض بين السّماء الأُولى والأرض الأُولى من جهة، وبين السّماء الجديدة والأرض الجديدة من جهة ثانية يُشيرُ إلى التجديد الاسخاتولوجيّ للخليقة. لن تحل الواحدة محل الأخرى -كما سبق القول- بل نُؤكّد على أنّ الكُتّاب اليهُود والمسيحيين يُمكن أن يتكلّموا بطريقة مُشابهة عن الأرض التي دُمرّت بالطّوفان إذ أنّ عالمًا جديدًا قد خرج إلى الوجود بعد الطّوفان (قارن بُطرُس الثانية 3: 6). لقد فهم هؤلاء الكُتّاب أنّ الطّوفان كان بمثابة ارتداد بالخليقة إلى زمن الخراب والخلاء اللذين سادا من قبل. سوف نعود إلى التوازي مع حادثة الطّوفان لاحقًا.
وفي رُؤيا 21: 5 ولأوّل مرّة مُنذ 1: 8 يتكلّم الجالس على العرش بطريقة مباشرة. إنّه يُعلنُ إعلانًا رسميًّا: «هَا أَنَا أَص نَعُ كُلَّ شَي ءٍ جَدِيدًا!». إنّ الأهميّة المُفتاحيّة لهذه الكلمات، والتي تعكسُ ما ورد في إشعياء 65: 17 (قارن 43: 19)، أنّها تُؤكّد من خلال الأمر الإلهيّ ليُوحنّا بضرورة كتابتها، كونها تتوافق مع ما ورد في 4: 11 «أَن تَ خَلَق تَ كُلَّ الأَش يَاء». إنّ البداية الاسخاتولوجيّة الجديدة تتوافق مع خروج الموجودات للنور بسبب العمل الأصيل لله في الخلق. وهذا الارتباط بين الخليقة والخليقة الجديدة يُسلّط الضّوء على النطاق الكونيّ للأفق اللاهوتيّ ليُوحنّا الّذي يضع من خلاله الاهتمام الأوّليّ بالعالم البشريّ.
إنّ المعنى الكامل للفهم الكتابيّ للخليقة التي تحتوي كُلّ الموجودات الماديّة المحدودة التي خلقها الله من عدم ووهبها نعمة الوجود قد أصبح مشكوكًا فيه بسبب الّتيارات اللاهوتيّة المُعاصرة التي تنتقد الصّور الكتابيّة الخاصة بالسّيادة الإلهيّة.[2] جُزئيًّا، يُمثّلُ هذا كارثة بالنسبة للعلاقة غير المُتكافئة للاستقلال الكامل للخليقة عن مشيئة الله لصالح نوعٍ من التبادليّة بين الله وخليقته. لكن الفكر اللاهوتي لسفر الرُّؤيا يُساعدنا لكي ندرك اثنين من الآثار الحتميّة لهذه النزعات. ففي المقام الأوّل يخون هؤلاء اللاهوتيّون أحد أُصول الفهم الدّينيّ الخاصة بفرادة الله: الوعي/الإدراك بأنّ خلف كُلّ هذا الترابط والانسجام الظّاهر في الخليقة يُوجد إلهٌ واحد تدين له وحده كُلُّ الموجودات بوجودها. هذا الإدراك/الوعي هو جُزءٌ لا يتجزّأ من العبادة التوحيديّة التي تعترف بتفرُّد الخالق، ولذا فهي لا تُعطي لأيّ مخلوق محدود. إنّ العبادة هي الملاذ الأخير للمخلوقات التي تتبع البارئ (قارن رُؤيا 19: 9-10؛ 22: 8-9). إنّ هذا الوعي وتلك العبادة التي يُعبّر عنها في 4: 11 تتناقض تمامًا مع الاستقلال النسبيّ عن الله. لا تُوجد علاقات تبادليّة حقيقيّة بين الله والخليقة فهُم يذهبون وراء تلك الأفكار إذ يُدركون أنّهم هُم أيضًا قد خُلقوا بواسطة الله.
ثانيًا: التقليل من السّمو الحقيقيّ للخالق يُقلّل من انفتاح خليقته على الاسخاتولوجيّ الجديد. إنّ إلهًا غيرُ مُتسامٍ فوق الخليقة وليس لديه إمكانيات الإبداع الجديد في الكون لا يُمكن له أن يمنح للخليقة رجاءً جديدًا في المستقبل؛ فحيثُ يتراجع الإيمان بالله الخالق فحتمًا لا يُوجد رجاءٌ في القيامة. إنّ الله الّذي هو «الألف» لا بُدّ أن يكون هو بذاته «الياء».
أمانة الخالق نحو خليقته
إنّ الرّجاء الاسخاتولوجيّ لسفر الرُؤيا له أساسُه في الحقيقة، ليس فقط في معرفة الله كالخالق بل أيضًا في الإيمان بأمانة الله من نحو خليقته. فإذا كان الإيمان بالله يدعم ويُثير إمكانيّات الخليقة الجديدة، فإنّ الإيمان بأمانته من نحو الخليقة يُعطي الرّجاء للإيمان بالخليقة الجديدة. وأمانة الخالق من نحو خليقته هو موضوعٌ لاهوتيّ لرواية الطّوفان في سفر التكوين وقد عبّر عنها اللهُ خلال العهد الّذي قطعه مع نُوح (عادة ندعوه «العهد مع نُوح» بينما هو عهدٌ مع نُوح والخليقة بأسرها). رُبّما كان هناك إشارة للعهد مع نُوح في رُؤيا 4: 3. ومع أنّ قوس قزح حول العرش يُذكّرنا يقينًا برُؤيا حزقيال للعرش الإلهيّ حيث قيل إنّ روعة الشّخص الجالس على العرش تُشبه قوس قزح (حزقيال 1: 28)، إلا أنّه مثلما وجد يُوحنّا إشارةً إلى الظّهور الإلهيّ في سيناء في البرق المُصاحب لرُؤيا حزقيال (حزقيال 1: 13؛ رُؤيا4: 5) كذلك فقد رأى في رُؤيا حزقيال وقوس قزح إشارة إلى علامة العهد مع نوح. لذلك، فبينما يصف حزقيال الرّوعة الإلهيّة كـ «ظهور قوس قزح» إلا أنّ يُوحنّا يرى قوس قزح الّذي حول العرش السّماويّ كمظهر الزّمرّد. ويتحرّك قوسُ قزح من الشّحوب إلى الحقيقة وهو القوسُ الّذي وضعه اللهُ في السّماء بعد الطّوفان كعلامة عهدٍ مع الأرض (التكوين 9: 13-17).
إنّ مقدار إخلاص الخالق لخليقته هو موضوع سفر الرُؤيا الّذي يُقدّره المؤمنون متى لاحظوا أهميّة الأمر في قصة الطّوفان الواردة في سفر التكوين (رُؤيا11: 18). ففي وقت النهاية وعند دينونة الأشرار وتدشين ملكوت الله -كما سبق القول ضمن أشياء أخرى كثيرة- فهو وقت لـ «تدمير الّذين كانوا يدمّرون الأرض». هذا هو أحد نماذج قانون الانتقام jus talionis الاسخاتولوجيّ وهي طريقة للتعبير عن الدّينونة الاسخاتولوجيّة الأخيرة التي فيها يكون وصف العقاب يُطابق وصف الخطيّة (قارن أمثلة أخرى في 16: 6؛ 18: 6؛ 22: 18-19). إنّها طريقة أدبيّة لتوضيح عدالة الله المُطلقة في الدّينونة الإلهيّة: يتناسب العقابُ مع الجريمة. في مثل هذه الحالة تتناسب الألفاظ المستخدمة؛ فالفعل اليوناني diaphtheiro الّذي يعني «يُدمّر» أيّ «يُسبّب موتًا وخرابًا» بمعني إكمال الفساد بواسطة صنع الشّر.[3] إنّ مُدمّري الأرض هُم قُوى الشّر: التنين، والوحش، وبابل الزّانية (التي قيل عنها في 19: 2 إنّها «الزّانية العظيمة التي أفسدت الأرض بزناها، وانتقم لدم عبيده من يدها»). فمن خلال العُنف والقمع والدّيانات الوثنيّة يُدمّرون خليقة الله، وبالتالي فأمانة الله نحو خليقته تتطلّب أن يُدمّر الله أولئك المُدمّرين بغرض حفظ وإنقاذ خليقته من الشّرّ.
ومع ذلك فإنّ عبارة «تدمير الّذين كانوا يُدمّرون الأرض» تُعطي لمحةً عن اللعب بالألفاظ الوارد في تكوين 6: 11-13، 17 حيث إنّ الفعل العبريّ Sdhat له معنى مزدوج؛ فهناك قرّر الله أن يُدمّر هؤلاء الّذين كانوا يُفسدون الأرض بطُرُقهم الشّريرة، جنبًا إلى جنب مع الأرض نفسها. لقد فعل الله ذلك مُستخدمًا الطّوفان الّذي كان وسيلة دمار لكنه كان، في ذات الوقت، طريقةً إلهيّة للحفاظ على خليقة الله من العُنف المُدمّر الّذي مارسه البشر وقتئذ.
وللوهلة الأُولى، فإنّ التوازي بين الطّوفان والدّينونة الاسخاتولوجيّة التي يُشار إليها في رُؤيا 11: 18رُبّما تبدو وكأنّها تتعارض مع العهد مع نوح، أكثر مما تكشف أمانة الله نحو خليقته. طبقًا لهذا العهد فإنّ الله قد وعد «أقيمُ عهدي معكم فلا ينقرضُ كُلُّ ذي جسدٍ أيضًا بمياه الطّوفان. ولا يكُونُ أيضًا طُوفانٌ ليُخرب الأرض». ومع ذلك يجب أن نتذكّر الطّريقة التي اُستُخدمت في تدمير الأرض وقت الطّوفان، فمياه الطّوفان يُمكن أن تُفسّر على أنّها مياه «الخراب أو الهاوية» (التكوين 1: 2؛ 7: 11) التي ضبطها الله ووضع حدًّا لها عندما خلق العالم لكنه لم يتخلّص منها (التكوين 1: 6-7). إنّها ترمز إلى قُوّة العدم التي تلغي عمل الخلق، وترمز كذلك إلى القُوّة التدميريّة المُحتملة التي يُمكنها أن تُدمّر الكون المخلوق بإرجاعه إلى حالة من الفوضى. ففي قصة الطّوفان، يُصوّر الله باعتباره الشّخص الّذي يسمح لمياة الهاويّة بتدمير العالم وإعادته إلى حالة من الفوضى (قارن أخنوخ الأوّل 83: 4).
ومياة الفوضى والخراب تلك هي البحر الّذي يخرج منه الوحش ذو العُنف المُدمّر (رُؤيا13: 1 قارن دانيآل 7: 2-3). وعند ظهور المسيح سوف يقشع الوحش (19: 20)، لكنه -وقتها- لن يزيل قُوّة الشّرّ الكامنة. يتبع تدمير الشّر والموت والهاويّة (20: 10، 14) فناءُ مُدمّرو الأرض. ثم إنّ الخليقة الجديدة سوف تتميّز بأحد الملامح التي تُعطيها أصالتها وجدّتها الاسخاتولوجيّة «البحرُ لا يُوجدُ في ما بعدُ» (21: 1). إنّ مياة الهاويّة البدائيّة التي تُمثّل مصدر الشّرّ المُدمّر وإمكانيّة إعادة الخليقة إلى حالة الفوضى سوف لا تكون فيما بعد. أخيرًا! وعليه فإنّ دينونة الخليقة القديمة وإقامة الجديدة بدلًا منها لن يحدثا من خلال طُوفانٍ ثانٍ، إذ سينهي الله هذا التهديد المُستمرّ بالهلاك عن طريق الطّوفان. ففي العالم الجديد سوف يُقيم الله خليقةً آمنة أبديًّا من أيّ وكُلّ تهديد للدمار بسبب الشّرّ. بهذه الطّريقة يُصوّر سفرُ الرُؤيا شخص الله كالشّخص الأمين والحافظ للعهد مع نُوح. بل يتجاوز اللهُ في أمانته نُوحًا ليُظهر أمانته نحو الأرض كُلّها إذ يأخذ اللهُ الخليقة بعيدًا عن كُلّ تهديد للدمار الّذي يُحدثه الشّرُّ. عندئذ فقط يتحقّق كلامُ الله الخاص بمكان سكناه حيث المجد والبهاء الإلهيي ن (21: 3، 22-23)
[1] On this paragraph، see R. Bauckham، 'God Who Raises the Dead: The Resurrection of Jesus in Relation to Early Christian Faith in God'، forthcoming in P. Avis، ed. The Resurrection of Jesus Christ (Edinburgh: T. & T. Clark).
[2] E.g. D. Hampson، Theology and Feminism (Oxford: Blackwell، 1990)، 1 3 1 - 2; S. McFague، Models of God: Theology for an Ecological، Nuclear Age (London: SCM Press، 1987)، 109 10.
[3] Cf. a similar use of phtheirs in another sentence of eschatological jus talionis: 1 Cor. 3 : 17.