تأليف
د. القس اروين و. لوتز
ترجمة
أشرف بشاي
وباء كوفيد-19 كارثة قلبت كل الموازين، فما لم يكن معتادًا في الماضي صار معتادًا اليوم، بل إن سنين كثيرة قادمة ستحفل بالحديث عن الوضع قبل كورونا والوضع بعدها، وربما لن تؤول الأوضاع إلى سابق عهدها أبدًا.
سرعان ما تفشى هذا الفيروس الذي خرج من ووهان بالصين في جميع أنحاء العالم. وفي غضون أشهر قليلة صارت الولايات المتحدة في مُقدّمة البلاد من حيث أعداد الوفيات. وبناء على توجيهات القيادة السياسية دخلت البلاد في حالة من الإغلاق. وصار من المعتاد أن يرى المرء السيارات وهي مصطفة بامتداد أميال في انتظار الحصول على مساعدات غذائية وحدثت قفزة مفاجئة في أعداد البطالة.
واجهت جميع دول العالم صُعوبات جمّة وحالة من الذعر!
وردت أخبار من الهند تصف المآساة التي يعيشها العمال باليومية الذين صاروا مضطرين الآن إلى العودة إلى منازلهم سيرًا على الأقدام دونما طعام أو ماء، فيموت الكثيرون منهم أثناء رحلة العودة. تبخّرت فرص العمل التي وفّرت الدخل لأسرهم وتركتهم بؤساء في فقر مدقع، وحرمتهم من سبل العيش لهم ولعائلاتهم. أبلغني أحد أصدقائي الذين يعيشون في الهند أن النقود القليلة التي توفّرت في جيوب البعض باتت تُنفَق في متاجر الخمور؛ فقد صارت هذه المتاجر تُعتبر من «جهات العمل الضرورية»، في حين صدرت التوجيهات بإغلاق «جهات العمل غير الضرورية».
عانت الكثير من الدول الأوروبية معاناة ضخمة؛ دخلت إنجلترا في حالة من «الإغلاق»، بل إن رئيس وزراء انجلترا نفسه أُصيب بالفيروس وعبّر عن عرفانه بجميل مجتمع خدمة الرعاية الطبية على إنقاذ حياته. ذكر لي أحد أصدقائي من ألبانيا أنه لم يعُد من المسموح لهم بأن يغادروا منازلهم بدون التسجيل في تطبيق مُثبَّت على هواتفهم الذكية والحصول على إذن مسبَق بالخروج. وهكذا، انهمك أعضاء الكنائس وغيرهم من المجتمعات في توزيع كافة المساعدات الغذائية المتاحة على أولئك المساكين الذين يتضوّرون جوعًا. صحيح أنه في وقت كتابة هذا الكتاب قد تتبدّل الظروف وربما تُخفَف القيود، ولكن التغيير يسير ببطء.
ضرب فيروس كوفيد-19 كل الدول بالفوضى ، وصار الجميع يحاولون التعامل مع الموقف بأفضل استجابة ممكنة. وإذ ننظر حولنا نجد، في جميع أرجاء العالم، أن كل حالة وفاة؛ سواء أكانت وفاة أب أو أم، أو جد أو جدة، أو أخ أو أخت هي حالة تمَس العائلة بأكملها. هنا في الولايات المتحدة كان الأقرباء في أغلب الأحوال يُمنعون من التواجد بالقرب من الشخص الذي يحتضر، وهكذا، توفى كثيرون، لا سيّما من كبار السن وهم بمفردهم، دون أن يودّعهم أحباؤهم.
وكأن هذا كله لم يكفِ، فقد أتت في أوج معمعة كوفيد -19 عشراتُ الأعاصير لتجتاح بعضًا من الولايات الجنوبيّة في البلاد لتدمّر أحياء ولتنقض منازل ولتقتل العشرات. في بعض الحالات لقي الآباء أو الأمهات حتفهم بينما نجا أولادهم، وعانت عائلات أخرى كثيرة من الخسارة على نحو أو آخر، فضلاً عن فقدان مصدر دخلهم. ويجيء كوفيد -19 ليزيد الطين بلة وليكبّل بالخوف مجتمعاتٍ بأكملها.
وإذ فقد الآباء والأمهات وظائفهم بدأوا البحث المستميت عن سبل الحصول على إعانة البطالة، وصاروا يواجهون السؤال: كيف يخبرون أولادهم؟ هل سيتمكنون من توفير الطعام؟ عشرات الآلاف -الذين غالبًا سيصبحون ملايين- خضعوا للاختبارات الطبيّة للتأكّد مما إذا كانوا مصابين بالفيروس أم لا. نشكر الله أن الأغلبية لم تُصب بالفيروس، ولكن أولئك الذين أصابهم الفيروس انتباهم شعور وكأن كوفيد -19 حُكمٌ بالإعدام، والحقيقة أنه كان بالفعل حكمًا بالموت في حالات البعض.
تحوّلت اجتماعات الكنائس من اجتماعات بالحضور الجسدي إلى «خدمات عبادة افتراضية» على الإنترنت، وانخفض «العطاء« في بعض الكنائس، كما أن بعض مؤسّسات الخدمة المسيحية لم تستطع الصمود فانهارت. غير أن أكثر ما أحزن قلبي هو التفكير في مصير تلك المؤسّسات المسيحية الكرازية التي تعتمد اعتمادًا يكاد يكون كليًّا على تبرُّعات المواطنين الأمريكيين. دفع الخوف الكثير من المؤمنين إلى الحد من عطائهم المادي، بعضهم بسبب احتياج مالي حقيقي، بينما البعض الآخر بسبب ميلهم للمحافظة على ما لديهم من موارد والاحتفاظ بأكثر مما يحتاجون.