مُقدِّمة الناشر
بقلم القس أشرف بشاي
ما الأسباب التي تجعل المسيح مستحقًا للعبادة؟
إن أحد الأسباب التي تقودنا لعبادة المسيح هي إنه صنع لنا «خلاصًا هَذَا مِقْدَارَه» (العبرانيين ٢: ٣). لقد انتصر المسيح لأجلنا وفينا. كيف انتصر المسيح، وعلى من حقّق انتصاره؟ لقد انتصر المسيح بالصليب. إنّ العين غير المؤمنة بالمسيح لا يمكنها أن ترى في هذا النجار الفقير المعلّق على الصليب إلا شخصًا مهزومًا مغلوبًا على أمره، شخصًا انتصرت عليه إرادةُ البشر الخاطئين فمات ضحيةً لخيانةِ يهوذا، ولحسدِ رؤساء الدين، ولقساوةِ قلوب الحكام الرُّومان. لكن المؤمنين بالمسيح يروْن في المسيح «حَملَ اللهِ الذّي يَرفَعُ خَطيّةَ العَالَمِ» (يُوحنا ١: ٢٩). إنه «يَسُوعَ [الذي] نَرَاهُ مُكَلَّلاً بِالْمَجْدِ وَالْكَرَامَةِ، مِنْ أَجْلِ أَلَمِ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ اللهِ الْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِد» (العبرانيين ٢: ٩). لم يعُد الصليبُ في نظر المؤمنين مُجرّد أداةَ تعذيب وإعدام، بل صار –بسبب المصلوب- موضوعَ عز وافتخار. لأجل هذا كتب الرّسُول بُولُس «فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ الله» (١كورنثوس ١: ١٨). مجدًا للحمل المصلوب لأجلنا!
لم يُصلب المسيح فقط، لكنه صُلب ومات وقام، ولقد صار المسيح القائم من بين الأموات أنشودةَ انتصارنا، إذ بقيامته الظافرة أكمل مهمّة فدائنا بنجاح. دفع المسيحُ، بصليبه وقيامته، ثمنَ خطايانا وفتح لنا بابَ القبول في الحضرة الإلهيّة. غلب المسيح الموت وقام، فصار بقيامته باكورة للراقدين «أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا» (رُومية ٤: ٢٥). صارت قيامة المسيح عيدَنا الأسبوعي إذ حَسِبَ المسيحُ لأحبائه بركات هذا الانتصار ومنافعه، فصارت نغمةُ الانتصار العالية هي القرار الجميل لترنيمة الآلام والاضطهادات.
من أجل هذا تنادي الكنيسة للعالم بالمسيح المصلوب المُقام، فالمسيح المصلوب المقام، هو وحده القادر أن «[يفْتَحَ] عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي [بالمسيح] غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيبًا مَعَ الْمُقَدَّسِين» (أعمال الرسل ٢٦: ١٨). لا توجد مسيحيّة بِدون الصليب والقيامة، ولا توجد لدينا رسالة غير رِسالة الفداء والبدليّة. لقد انتصرت نعمةُ الله على شرورنا، ولم يتبقَ لنا عذر إن رفضنا الحياة الأبديّة.
في هذا الكتاب تقرأ عن المسيح الذي أخلى نفسه ليصير كواحدٍ من بني البشر، وتتلامس مع المسيح المصلوب والقائم من الأموات، ومع المسيح الذي يجلس اليوم في يمين عظمة الآب السّماوي، ومع المسيح الذي سيأتي ثانية إلى أرضنا ديانًا للعالمين.