ترجمة أمجد أنور
1. يُقرِّرالرسل أن الكتاب المقدس موحى به، فيكتب الرسول بولس قائلًا: «كُلُّ ٱلْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ ٱلله» (2تيموثاوس 3: 16)، ويضيف الرسول بطرس: «لِأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ ٱللهِ ٱلْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُس» (2بطرس 1: 21).
أ. العهد القديم. كان كُتّاب العهد القديم واثقين في أنهم يُسجّلون كلمة الله. فعبارة «هكذا يقول الرب» أو ما يوازيها من عبارات تتكرر نحو 2000 مرة في العهد القديم. لقد آمن الأنبياء بأن الله يتكلم على ألسنتهم. فداود «مُرنِم إسرائيل الحلو» يعلن إعلانًا نبويًا فيقول: «رُوحُ ٱلرَّبِّ تَكَلَّمَ بِي وَكَلِمَتُهُ عَلَى لِسَانِي. قَالَ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ. إِلَيَّ تَكَلَّمَ صَخْرَةُ إِسْرَائِيل» (2صموئيل 23: 1-3). وكتب إشعياء النبي: «وَقَالَ لِي ٱلرَّبُّ...فَإِنَّهُ هَكَذَا قَالَ لِي ٱلرَّبّ» (إشعياء 8: 1، 11). ويعلن إرميا: «وَمَدَّ ٱلرَّبُّ يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي، وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِي: هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلَامِي فِي فَمِك» (إرميا 1: 9؛ انظر إرميا 5: 14؛ 7: 27؛ 13: 12). وقال الرب لحزقيال: «ٱذْهَبِ ٱمْضِ إِلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَكَلِّمْهُمْ بِكَلَامِي» (حزقيال 3: 4؛ قارن بما جاء في حزقيال 3: 7، 10، 11). وأدرك النبي ميخا أن كلمته جاءت من الله: «لَكِنَّنِي أَنَا مَلْآنٌ قُوَّةَ رُوحِ ٱلرَّبِّ وَحَقًّا وَبَأْسًا، لِأُخَبِّرَ يَعْقُوبَ بِذَنْبِهِ وَإِسْرَائِيلَ بِخَطِيَّتِه» (ميخا 3: 8). سمع حبقوق الله يتكلم «فَأَجَابَنِي ٱلرَّبُّ وَقَالَ: «ٱكْتُبِ ٱلرُّؤْيَا وَٱنْقُشْهَا عَلَى ٱلْأَلْوَاحِ لِكَيْ يَرْكُضَ قَارِئُهَا» (حبقوق 2: 2).
ويؤكد كُتّاب العهد الجديد، في أكثر من موضع، أن أنبياء العهد القديم كتبوا بوحي من الله «ٱللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ ٱلْآبَاءَ بِٱلْأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ» (عبرانيين 1: 1). على سبيل المثال، كانت نبوءات العهد القديم عن المسيح «...لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ ٱلرَّبِّ بِٱلنَّبِيِّ ٱلْقَائِلِ…» (متى 1: 22؛ 2: 15). والروح القدس تكلّم «...بِفَمِ دَاوُدَ..» (أعمال 1: 16)، و«حَسَنًا كَلَّمَ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ آبَاءَنَا بِإِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ» (أعمال 28: 25).
ب. العهد الجديد. كان الرسول بولس واثقًا في أن كلماته كانت كلمة الله، فعبّر عن ذلك قائلًا: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْسِبُ نَفْسَهُ نَبِيًّا أَوْ رُوحِيًّا، فَلْيَعْلَمْ مَا أَكْتُبُهُ إِلَيْكُمْ أَنَّهُ وَصَايَا ٱلرَّبّ» (1كورنثوس 14: 37). وفي موضع آخر يقول: «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ ٱللهَ بِلَا ٱنْقِطَاعٍ، لِأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ ٱللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لَا كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِٱلْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ ٱلله» (1تسالونيكي 2: 13). كذلك أدرك الرسول بولس أن إنجيله كان إعلانًا من الله وسجّله على هذا الأساس. كتب إلى مؤمني غلاطية (1: 11، 12) قائلًا: «وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ ٱلْإِنْجِيلَ ٱلَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ. لِأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلَا عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلَانِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيح» (1كورنثوس 11: 23 وما يليها من آيات؛ 15: 1-4). ويعلن الرسول بطرس أن كتابات الرسل ترقى إلى مستوى كتابات العهد القديم، ويحث قُرّاءَه «لِتَذْكُرُوا ٱلْأَقْوَالَ ٱلَّتِي قَالَهَا سَابِقًا ٱلْأَنْبِيَاءُ ٱلْقِدِّيسُونَ، وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ ٱلرُّسُلَ، وَصِيَّةَ ٱلرَّبِّ وَٱلْمُخَلِّص» (2بطرس 3: 2). كان لمفهوم الروحي إجلال خاص في نظر الرسل حتى إن أول مجمع للكنيسة الأولى انعقد في أورشليم «لِأَنَّهُ قَدْ رَأَى ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لَا نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلًا أَكْثَرَ، غَيْرَ هَذِهِ ٱلْأَشْيَاءِ ٱلْوَاجِبَة» (أعمال 15: 28).
٢. الرّبّ يَسُوع خَتمَ بخَاتمِه على وَحيّ الكِتَاب المُقدّس
أ. من المنظور السلبي. لم يرفض الرب يسوع الرأي الذي تبنّاه اليهود في زمنه. لقد آمن الفريسيون بأن أسفار العهد القديم تمثّل كلمة الله الموحى بها. ورغم أنه وَبّخهم على ريائهم، فإنه لم يوبّخهم قط على نظرتهم للأسفار المقدسة. ولذا، فإن صمته حيال هذه النظرة يعد موافقة عليها. كان الرب يسوع معلم الأجيال الأعظم، فهو الله، والحق السرمدي. فلو أن الرب رأى أن النظرة اليهودية نظرة خاطئة، لسعى إلى تصحيحها على الفور.
ب. من المنظور الإيجابي. لم يكتفِ المسيح بالبعد عن انتقاد النظرة السائدة، وإنما شاركها ووضع ختم موافقته عليها، فأعلن قائلًا: «إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لِأُولَئِكَ ٱلَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ ٱللهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ ٱلْمَكْتُوبُ» (يوحنا 10: 35). كما أرسى صلاحية الناموس من المنظور الإلهي: «إِلَى أَنْ تَزُولَ ٱلسَّمَاءُ وَٱلْأَرْضُ لَا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ ٱلنَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ ٱلْكُلُّ» (متى 5: 18). قدّم المسيح نفسه باعتباره تحقيقًا لنبوءات العهد القديم. (لوقا 24: 25-27). فضلًا عن ذلك، سبق فوضع ختم موافقته على العهد الجديد بأن عرف تلاميذه أن الروح القدس سيحفظهم من الخطأ عند كتابتهم إياه. (يوحنا 16: 13).
3. ما علّمه المسيح وتلاميذه هو ما نؤمن نحن به. هذه صخرة قوية ومُقدّسة، وعليه قامت الكنيسة عبر الأجيال.