مقتطفات من موسوعة "العهد الجديد يتكلّم - الكتاب الثاني - الرسائل البولسيّة"
بقلم د. القس مارك آلان پاول
ترجمة القس أشرف بشاي
إليك، عزيزي القارئ، ملخّصًا مختصرًا، للأفكار اللاّهوتيّة المفتاحيّة للرسول بولس كما تعلنها رسائله السّبع غير المتنازع عليها
يتحدّث الرّسول عن الإنجيل (εὐαγγέλιον حرفيًّا: الأخبار السّارة)، غالبًا، باعتباره الخبر المعلن إليه بواسطة الله. بمعنى من المعاني، هذا الإنجيل يعتبر رسالة قابلةً للنقل بواسطة الإعلان (رومية 10: 14-17)، لكنها في الحقيقة أكثر من ذلك الإعلان؛ فالإنجيل أيضًا هًو قوّة متفجّرة Dynamic force يعرّفها الرّسول باعتبارها [قوّة الله للخلاص لكلّ من يؤمن] (رومية 1: 16 قارن أيضًا كورنثوس الأولى 1: 18). سوف نعرف أكثر عن هذا الإنجيل في طريق دراستنا لكل رسالة من رسائل الرّسول بولس على حدة، لكننا نسجّل هنا أنّ ذلك الإنجيل هًو إنجيل [يسوع المسيح] (رومية 1: 3-4).
إنّ الرّسول بولس يؤمن أنّ يسوع مات من أجل خطايانا (رومية 4: 25 5:6-8 كورنثوس الأولى 15: 3 غلاطيّة 1: 4 تسالونيكي الأولى 5: 10). والأكثر من ذلك أنّ الله (الأب) أقام يسوع من الأموات (رومية 4: 24-25، كورنثوس الأولى 15: 4 غلاطيّة 1:1 تسالونيكي الأولى 4: 14). إنّ يسوع الآن جالسٌ عن يمين الله في السّماوات حيث يشفع في مؤمنيه (رومية 8: 34)، ويسوع سيأتي ثانيةً (تسالونيكي الأولى 4: 13-18)، وهؤلاء الّذين يعترفون بأنّ يسوع ربٌّ ويضعون ثقتهم فيه سوف يخلصون (رومية 10: 9)، وبعد انتقالهم من هذا العالم سوف يعيشون معه إلى الأبد في عالم ممجّدٍ يختلف عن عالم الأتعاب وعن حياتنا الحاضرة (رومية 8: 18)، والأكثر من ذلك، يؤمن الرّسول أنّه، بشكلٍ ما، فإنّ هذا العصر الإلهيّ الجديد الرّائع قد ابتدأ بالفعل ففي المسيح تصالح المؤمنون مع الله (رومية 5: 8-11 قارن أيضًا كورنثوس الثّانية 5: 18-21). إنّهم برّروا بالإيمان (جعلوا أبرارًا مع الله) (رومية 3: 24-26 غلاطيّة 2: 16). لقد صاروا أبناء لله (رومية 8: 14-17 غلاطيّة 4:4-7)، ونالوا الرّوح القدس (رومية 5:5 8: 9 كورنثوس الأولى 3: 16 كورنثوس الثّانية 1: 21-22 5:5 غلاطيّة 3: 2-5 4: 6). لقد تغيّرت حياتهم بطريقةٍ لا يمكن وصفها إلا بالقول: إنّهم صاروا [خليقةٌ جديدةٌ] (كورنثوس الثّانية 5: 17).
ويبدو أنّ اهتمام الرّسول بولس بيسوع يتركّز، بشكلٍ خاص، على الأسبوع الأخير من حياته المؤسّس على عشاء الرّب (كورنثوس الأولى 11: 23-26)، لا سيّما موته، ودفنه، وقيامته (كورنثوس الأولى 15: 3-7). ولأنّ الرّسول بولس كان يعرف تلاميذ المسيح، مثل معرفته بيعقوب أخي الرّب مثلًا، فلا بدّ أن يكون قد عرف بعضًا من القصص الخاصة بيسوع الّتي نقرأها نحن الآن في الأناجيل بل ربّما أيضًا استمع إلى قصصٍ أخرى كذلك. لذا فالرّسول يستشهد بأقوال وتعليمات ليسوع في بعض المواضع القليلة (كورنثوس الأولى 7: 10-11 9: 14 11: 23-25 كورنثوس الثّانية 12: 9 قارن أيضًا أعمال الرّسل 20: 35). والغالب أنّ الرّسول أبدى اهتمامًا قليلًا بتفاصيل حياة وخدمة يسوع على الأرض فمثلًا: لم يشر الرّسول نهائيًّا ليسوع الّذي تكلّم بأمثال، والّذي عمل المعجزات، لم يكتب لنا شيئًا عن جدله المتواصل مع الفريسيّين حول موضوعات متعدّدة تتعلّق بالنّاموس (وهو ما يعّد نقصًا صادمًا لأنّ بولس نفسه كان فريسيًّا). بالأحرى كان تركيز الرّسول بولس على [المسيح المصلوب] (كورنثوس الأولى 1: 23)، وعلى [المسيح المقام الّذي هًو ربّ الكلّ] (فيلبّي 2: 9-11). هذا هو، في الحقيقة، ما ترسّخ في أذهان بعض العلماء الّذين أطلقوا على بولس لقب [المؤسّس الحقيقيّ للمسيحيّة]. إنّهم ينادون بأنّ بولس نقل الإنجيل من كونه رسالة يسوع (أي الرسالة الّتي بشّر بها يسوع. انظر مرقس 1: 14-15) ليكون رسالة [عن يسوع]، لكن ربّما نزع بولس نفسه إلى التّأكيد على الجزء الأخير من حياة المسيح على الأرض تركيزًا على الأحداث الّتي تمثّل [ذروة كلّ شيء] قصد يسوع أن يقوله وأن يعمله في السّنوات السّابقة على تلك الأحداث (أحداث الصّليب والقيامة).
لاهوتيًّا، لقد فهم الرّسول يسوع المسيح باعتباره [صورة الله] (كورنثوس الثّانية 4:4 فيلبّي 2: 6 كولوسّي 1: 15 أيضًا كورنثوس الأولى 15: 49). إنّ يسوع هًو الشّخص الّذي جعل الله مرئيًّا ويمكن للبشر الوصول إليه. إنّ يسوع هًو ابن الله (رومية 1: 3-4 8: 3)، ولذلك يبقى يسوع مرؤوسًا لله ومتمايزًا عنه (كورنثوس الأولى 15: 27-28). يبدو أنّ الرّسول بولس يحترم [الوحدانيّة اليهوديّة]: إنّه لا ينتوي أن يجعل يسوع إلهًا ثانيًا، مع أنّه -في بعض الأوقات- يبدو قريبًا جدًّا من ذلك (كورنثوس الأولى 8: 6). إنّه، في الغالب، يقتبس مقاطع من الأسفار المقدّسة الّتي يظهر فيها الاسم الّذي يشير للرّب إله إسرائيل Lord، ويفسّر هذا الاسم بطريقة تجعل من الكلمة (الاسم) إشارةً ليسوع المسيح (راجع مثلًا طريقة تعاطيه مع يوئيل 2: 32 في رومية 10: 13 وقارن أيضًا رومية 10: 9). إنّه يتحدّث عن يسوع باعتباره الشّخص الّذي كان [في صورة الله]، والّذي [لم يحسب خلسةً أن يكون معادلًا لله] (فيلبّي 2: 6) (لمزيد من الاطلاع على شرح هذه الآيات راجع الصّفحات 777 إلى 777). بوضوح نقول، لقد كان لدى الرّسول بولس نظرة ساميّةٌ عن المسيح باعتباره يسمو عن الأنبياء، وعن المسيا، بل وعن أي خادم لله من البشر.
ويتعيّن علينا أن نلاحظ أيضًا عمق المشاعر الدّينيّة الّتي كانت في قلب الرّسول بولس عن المسيح، وكذا الطّريقة والتّعبيرات الّتي كان الرّسول يتكلّم بها عن المسيح. لقد استهلك الرّسول نفسه بالتّمام لأجل يسوع المسيح ولأجل الإنجيل فهو لم يرد أن يفكّر، أو يتكلّم، أو يكتب عن أيّ شيء آخر (راجع كورنثوس الأولى 2:2 كورنثوس الثّانية 10: 3-5 فيلبّي 3: 7-8). إنّه يشعر بأنّه مدفوعٌ دفعًا لإعلان الإنجيل (كورنثوس الأولى 9: 16)، وهو يتقبّل تلك الدّعوة لفعل ذلك كشرفٍ عظيم: إنّ الإنجيل هًو الكنز الّذي أؤتمن عليه (غلاطيّة 2: 7 تسالونيكي الأولى 2: 4)، وعندما يشارك الرّسول الإنجيل مع آخرين فهو يحقّق الغرض الّذي ولد من أجله (رومية 1:1 غلاطيّة 1: 15). ولذلك، فالرّسول بولس لم يكن -ببساطة- ملتزمًا بنشر أيديولوجيّة أو بتحقيق هدف ما قدر ما كان ملتزمًا بالأكثر بمعرفة هذا الشّخص يسوع المسيح ( فيلبّي 3: 7-10)، ويستطيع أن يقول: [فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ] (غلاطيّة 2: 20)، وهو لا يدّعي بأنّه الشّخص الوحيد الّذي يتمتّع بهذا الامتياز، بل هًو يؤمن بأنّ الاتحاد بالمسيح حقيقةٌ يمكن أن يختبرها جميع المؤمنين (رومية 6: 5 8: 10 كورنثوس الأولى 6: 17 كورنثوس الثّانية 13: 5 قارن أيضًا كولوسّي 3: 3). إنّ الرّسول يخاطب الكورنثيّين باعتبارهم [الّذين هم في المسيح يسوع] (رومية 8: 1 16: 7 كورنثوس الثّانية 5: 17)، وهو يصف الكنيسة بأنّها [جسد المسيح] (رومية 12: 4-5 كورنثوس الأولى 12: 27). طبقًا لذلك، فإنّ إنجيل بولس هًو رسالة للمجتمع: إنّه الأخبار السّارّة للكنيسة مجتمع الله الجديد الّذي يكوّنه المسيح ويقوّيه الرّوح القدس.
إنّ الفكر اللاهوتيّ لدى الرّسول بولس عمليٌّ للغاية ففي كلّ شيء آمن به عن الله وعن المسيح استطاع الرّسول إيجاد تطبيقاتٍ عمليّة مباشرة عن كيفيّة الحياة به في العالم الحاضر. ببساطة، إنّ كلّ الّذين اختبروا خلاص الله من خلال المسيح مدعوون للحياة، ليس لأنفسهم بل، للمسيح الّذي مات وقام من أجلهم (كورنثوس الثّانية 5: 14-15)، والشيء الوحيد الّذي ينتفع به المرء هًو [الإيمان العامل بالمحبّة] (غلاطيّة 5: 6). يكرّس الرّسول بولس أجزاء كبيرة من رسائله للأمور الأخلاقيّة والسّلوكيّة. إنّه يخوض الكثير من الجدل حول تلك الأمور (مثلًا رومية 14: 5-6 كورنثوس الأولى 8: 1-13 12: 1-14: 40)، كذلك قوائم الفضائل الّتي يجب اتّباعها والرّذائل الّتي يتعيّن تجنّبها (رومية 1: 29-31 13:13 كورنثوس الأولى 5: 10-11 6: 9-10 كورنثوس الثّانية 6:6-7 غلاطيّة 5: 19- 23).
ما الأسس الّتي بمقتضاها يحدّد الرّسول السّلوك المناسب لمن هم في المسيح؟ لا شك أنّ عقيدته الأخلاقيّة تشكّلت بواسطة كتب العهد القديم اليهوديّة (أيّ الوصايا الأخلاقيّة الموجودة في التّوراة)، لكن الرّسول يحاج أيضًا بأنّ المسيحيّين لم يعودوا [تحت النّاموس] بعد (رومية 6: 14-15 كورنثوس الأولى 9: 20 غلاطيّة 3: 23-25). لقد ناضل المفسّرون كثيرًا لتحديد المغزى من وراء فكره عن النّاموس (راجع صفحات 777، 777). في عدّة جمل مختصرة، يشير الرّسول بولس إلى [الضّمير] الّذي يعمل كقائد أخلاقيّ (رومية 2: 15 كورنثوس الثّانية 1: 12 4: 2)، لكن هذا التّفكير لا يمكن أن يُقبل على إطلاقه لأنّ الضّمير يمكن أن يكون ضعيفًا أو نجسًا (كورنثوس الأولى 8: 7-12 10: 25-29).
وبالمطلق، تشكّلت أخلاقيات الرّسول بولس من خلال توقّعاته أنّ المؤمنين سوف يتشبّهون بالمسيح في تواضعه الفادي: إنّهم سوف يطلبون الخير للآخرين وليس ما يسّر أو ينفع أنفسهم (رومية 15: 1-3 فيلبّي 2: 4-8). لذلك، فبالنّسبة للرسول بولس أصبح الصّليب شعارًا، ليس فقط للخلاص، بل أيضًا للسلوك المسيحيّ. والأكثر من ذلك، يرى الرّسول أنّ كلّ الأخلاقيّات هي أخلاقيّات للجماعة لأنّ المؤمن الفرد مرتبطٌ روحيًّا مع الآخرين بطريقة تجعل لتصرّفات الأفراد نتائج على حياة الآخرين (كورنثوس الأولى 12: 11-26). إنّ أخلاقيّات الرّسول تتشكّل أيضًا بواسطة توقّع مجيء المسيح ثانية في أسرع وقت، فالوقت المتبقّي لعمل ما يجب عمله في هذا العالم هًو وقت مقصّرٌ (رومية 13: 11- 14 كورنثوس الأولى 7: 29-31 تسالونيكي الأولى 4: 13- 5: 11). وأخيرًا، لدى الرّسول بولس قناعة كاملة أنّ المؤمنين لديهم رصيدٌ من المعونة الإلهية للحياة كما أراد الله لهم أن يعيشوا فلقد تغيّروا من الدّاخل بتجديد أذهانهم (رومية 12: 1)، ولقد تشّربوا الرّوح القدس الّذي ينتج فيهم الثمر الّذي يمجّد الله (غلاطيّة 5: 22-23).