چون ستوت
ترجمة أشرف بشاي
في هذا المقال، والمقالات القادمة، سوف نتعرّض للوصايا العشر ولتطبيقاتها المعاصرة في حياتنا اليوم. نحتاج أن نتذكّر ثلاث حقائق رئيسة بخصوص هذه الوصايا:
أولاً، جاءت هذه الوصايا في إطار العلاقة العهدية بين الله وشعبه إسرائيل. لقد قدّم الله لهذه الوصايا بعبارة: «أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّة» (الخروج ٢٠: ٢). إن الدور الوحيد لإسرائيل في هذه العلاقة العهدية هو الطاعة.
ثانيًا، قام الرب يسوع بتلخيص هذه الوصايا العشر حين علّم بضرورة أن تحب الرب إلهك من كل كيانك، وأن تحب قريبك مثل نفسك (التثنية ٦: ٥؛ اللاويين ١٩: ١٨؛ متّى ٢٢: ٣٧-٣٩). «بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاء» هكذا قال يسوع (متى ٢٢: ٤٠).
ثالثًا، يمكن للإنسان أن يطيع الوصايا العشر فقط بقوة الروح القدس الذي يسكن فينا حين نؤمن بالمسيح. قال الرسول بولس إن الله قد أرسل ابنه: «لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ النَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوح» (رومية ٨: ٤)، فبدون العمل الداخلي للروح القدس فإن الطاعة القلبيّة الكاملة التي يطلبها الرب يسوع في عظة الجبل سوف تكون مستحيلة.
الوصيتان الأولى والثانية
«لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ» (الخروج ٢٠: ٣-٥)
من أجل منع الشرك بالله وتحريم التعبُّد للآلهة الأخرى يقول الكتاب المقدس: «لِيَعْلَمُوا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَر» (إشعياء ٤٥: ٦). لسنا في احتياج لأن نعبد الشمس ولا القمر ولا النجوم لكي نكسر الوصية الأولى، لكننا نكسرها حين نعطي المكانة الأولى في حياتنا لشيء آخر أو لشخص آخر سوى الله. بدلاً من ذلك يتعيّن علينا أن نحب الله من كل قوتنا، فتصير مشيئة الله هي سعادتنا ومجد الله هو هدفنا.
فإذا كانت الوصية الأولى تطلب منا عبادة حصريّة لله وحده، فإن الوصية الثانية تتطلّب أن تكون هذه العبادة روحية وجادة. قال الرب يسوع: «اَللَّهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا ٤: ٢٤). إن حظر عبادة الأوثان لا يجب أن نفسِّره بضرورة منع فنون النحت والرسم، بل معناه منع عبادة أي وثن. كذلك فالوصية تعني بالتأكيد منع وتحريم جميع أشكال العبادة الشكلية والخارجية التي ليس لها واقع داخلي، فنقترب من الله بشفاهنا بينما قلوبنا بعيدة عنه للغاية (إشعياء ٢٩: ١٣؛ مرقس ٧: ٦).
وبخصوص الوصية الثانية، هناك مشكلتان كبيرتان يواجهان المؤمنين. الأولى، أن الله يصف نفسه في هذه الوصية بأنه «إله غيور» (الخروج ٢٠: ٥). يجب ألا يشعر الإنسان بالإهانة إزاء ذلك، فالغيرة هي الاستياء من المنافسين والله غيور بهذا المعنى. الله يرفض أن يشارك مجده مع آخر، ولا يوجد من يمكن أن يشارك الله مجده.
أما المشكلة الثانية فتتعلّق بإدانة الأبناء وعقوبتهم من أجل خطايا آبائهم. يبدو هذا الكلام غير عادل بالمرة، لكنه بالتأكيد كلام حقيقي؛ فالأبناء يتألمون بشدة نتيجة خطايا الآباء. قد تحدث هذه المعاناة على مستوى الجسد حين يتوارث الأبناء أمراض والديهم، وقد يحدث الأمر على المستوى الاجتماعي حين يتألم الأبناء من الفقر بسبب إدمان والديهم للقمار أو الخمور، ويحدث أيضًا على المستوى النفسي حين يرث الأبناء التوتر والخلافات في البيوت التعيسة، وأخيرًا على المستوى الأخلاقي بسبب توارث الأبناء للسلوكيات المشينة الناجمة عن القدوة السيئة.