ترجمة أشرف بشاي
يتجلى التعليم الكتابي عن الصلاة على نحو تدريجي. لذا، علينا تناول الأمر من منطلق الكتاب المقدس بأكمله وإلا تعرضنا للتشويش.
الصلاة شركة مع الله، ولشركة المؤمن مع الآب وجهان:
1. الله يتكلم معنا في كلمته المقدسة: الكتاب المقدس هو رسالة الآب لأبنائه وبناته الأعزاء على قلبه.
2. لنا امتياز أن نتكلم معه في الصلاة، وبهذا تكون الشركة حلقة مكتملة. ينبغي للصلاة أن تكون القلب النابض لحياة المؤمن، ومسرته الدائمة، وملاذه في وقت الضيق، ومساره في وقت المحن، وتعزيته وقت الحاجة.
أ. مَبدأ الصّلاة
يُعلّم البعض بأنه يمكن لأي أحد أن يصلي إلى الله في أي وقت ويتوقع استجابة لصلاته. هذا غير صحيح. أبونا السماوي إله رحمة ونعمة وبالفعل يستجيب الصلاة حسب رضاه، ولكنه لا يعد البشر بأنه يستجيب الصلاة بدون تمييز؛ فالذين يستوفون شروط الله في الصلاة هم فقط الذين يعتبرون مُصلين بحق وصلاتهم فعالة.
هذا الشرط مذكور في 1يوحنا 3: 22 «وَمَهْمَا سَأَلْنَا نَنَالُ مِنْهُ، لِأَنَّنَا نَحْفَظُ وَصَايَاهُ، وَنَعْمَلُ ٱلْأَعْمَالَ ٱلْمَرْضِيَّةَ أَمَامَه» قد يبدو من هذه الآية أنها تضع شرطًا حرفيًا ولكن الآية التالية (آية 23) توضِّح الموقف: «وَهَذِهِ هِيَ وَصِيَّتُهُ: أَنْ نُؤْمِنَ بِٱسْمِ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا كَمَا أَعْطَانَا وَصِيَّة».إن هؤلاء الذين يؤمنون بالرب يسوع المسيح ويظهرون إيمانهم بالمحبة هم فقط المؤهلون لتوقع استجابة صلواتهم.
ب. قواعِد الصّلاة
لقد أسّس المؤمن بوضعه ثقته في المسيح مُخلصًا لحياته نقطة اتصال صلاة مع الله الآب، ولكن لكي يكون فعالًا في حياة الصلاة عليه أن يعرف قواعد معينة للصلاة ويطبق هذه القواعد.
1. الصلاة موجّهة لله الآب. هو الشخص الذي نخاطبه في الصلاة (راجع مثلًا: أعمال 12: 5). عندما يصلي المرء فإنها يدخل فعليًا إلى محضر الله مصدقًا أن الله «مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي ٱلَّذِينَ يَطْلُبُونَه» (عبرانيين 11: 6). الصلاة تزيد عن مجرد افتراض جانب التفاعل الشخصي، فهي اتصال بين روح الإنسان والله الذي هو روح.
2. الصلاة تكون في اسم يسوع. أعلن المسيح أنه لا أحد يستطيع أن يأتي إلى الآب إلا به. (يوحنا 14: 6). بالطبع هذا ينطبق على الخلاص ولكنه أيضًا صحيح بالقدر نفسه على الصلاة. فالأسس التي تقوم عليها الصلاة هي عمل المسيح الكفاري وشفاعته كوسيط وليست شخصية الإنسان أو استحقاقه أو أعماله.
أعلن الرب يسوع قائلًا: «وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِٱسْمِي فَذَلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ ٱلْآبُ بِٱلِٱبْنِ. إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئًا بِٱسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُه» (يوحنا 14: 13، 14). ليس للإنسان الطبيعي أي استحقاق شخصي أمام الله، فهو مُفلس أمام خزائن السماء. لكن المسيح «وضع ختم استحقاقه السماوي» نيابة عن المؤمنين وهو استحقاق مقبول أمام الله. وهكذا، فإن الصلاة في اسم المسيح هي أساس الثقة التي يتقدم بها المؤمن في صلاته.
3. الصلاة تكون في الروح. «مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلَاةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي ٱلرُّوح» (أفسس 6: 18؛ قارن بما جاء في يهوذا 20). يكمن سر الحياة المثمرة في الروح القدس، وسر حياة الخدمة الناجحة في خدمة الروح القدس، وسر فعالية دراسة الكتاب المقدس الفعالة في دراسة الروح القدس، وسر الشهادة المسيحية المؤثرة في شهادة الروح القدس، وسر الصلاة الفاعلة في الصلاة في الروح القدس.
إن سُّكْنى الروح القدس في داخل المؤمن حقيقة واقعة إذ يرشد المؤمن الخاضع له في الصلاة: «لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لِأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلَكِنَّ ٱلرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لَا يُنْطَقُ بِهَا» (رومية 8: 26).
4. الصلاة تكون حسب إرادة الله. «وَهَذِهِ هِيَ ٱلثِّقَةُ ٱلَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا.ÂÂ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبْنَا يَسْمَعُ لَنَا، نَعْلَمُ أَنَّ لَنَا ٱلطَّلَبَاتِ ٱلَّتِي طَلَبْنَاهَا مِنْه» (1يوحنا 5: 14، 15).
وهذا يقتضي فهمًا واتجاهًا قلبيًا لسان حاله:
أ. أن يعرف المؤمن مشيئة الله. كلمة الله دستوره والروح القدس معلمه. في كثير من المواضع نجد أن الكتاب المقدس يعلن مشيئة الله بوضوح؛ فبعض وصايا الكلمة المقدسة وإرشاداتها واضحة. مثلًا: «لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ إِرَادَةُ ٱللهِ: قَدَاسَتُكُم» (1تسالونيكي 4: 3). ولكن في بعض الحالات يصعب اكتشاف مشيئة الله. ولكن حتى في هذه المواقف فإن كلمة الله بسموها وقداسة روحها وعمق نقائها فضلًا عن إرشاد الروح القدس تمكن المؤمن في نهاية المطاف من معرفة ما يريده الله.
ب. على المؤمن ألا يكتفي بمعرفة مشيئة الله بل ينبغي أن يخضع لها. كانت صلاة المسيح وهو يقترب من أهوال الصليب ورغم ظلال الموت الوشيك: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ ٱلْكَأْسُ إِلَّا أَنْ أَشْرَبَهَا، فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ» (متى 26: 42). «وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى ٱلْأَرْض» (لوقا 22: 44)، غير أن مشيئة الآب ظلت غايته الأسمى. ولذا، ينبغي لأولاد الله في جميع صلواته أن تكون لذتهم تحقق مشيئة الله الكاملة مهما كان الثمن باهظًا. ولكن لا يمكن للخضوع الحقيقي أن يحدث بعيدًا عن عمل روح الله الذي يذيب قلب المؤمن.
5. الصلاة تكون بإيمان وتصديق لهذا الإيمان. «وَلَكِنْ لِيَطْلُبْ بِإِيمَانٍ غَيْرَ مُرْتَابٍ ٱلْبَتَّةَ» (يعقوب 1: 6). «وَٱلْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِر» (أفسس 3: 20). ليس الإيمان مجرد قفزة مجنونة في الظلام، وإنما هو ثقة تختبرها نفس الإنسان الذي آمن بالمسيح فيمثُل أمام الآب حسب قواعد الصلاة الكتابية. فالإيمان الكتابي الحقيقي وحده قادر على نقل الجبال.
6. الصلاة تكون بلجاجة. تعتبر الصلاة اجتهادًا روحيًا. كان الرب يسوع يئن في ألم أثناء التشفع في الصلاة. ذات مرة أمضى الليل بأكمله في شركة مع الله الآب (لوقا 6: 12). تأمل معي هذه الحقيقة: ابن الله نفسه انخرط في صلاة ممتدة، فكم بالحري نحتاج نحن إلى قضاء وقت وبذل جهد في الصلاة!
7. الصلاة تكون بلا استعراض. علّم الرب يسوع قائلًا: «وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلَا تَكُنْ كَٱلْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي ٱلْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا ٱلشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ ٱسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ!» (متى 6: 5). ليست الصلاة الحقيقية عرضًا مظهريًا، وإنما هي اجتهاد يطلب الله وليس الذات، يكرم الله ولا يُمجِّد الذات.
ج. مُمارسة الصّلاة
1. تعبد. عندما نقترب من عرش النعمة ينبغي أن تغمرنا مشاعر الرهبة إذ نتأمل رِفعة القدير وقداسته وبهائه ومجده غير المحدود. ينبغي للمؤمن أن ينسب لله ما يليق به من سيادة وصفات سامية وصالحة. ينبغي أن يكرم الإنسان الله بروحه.
2. اعتراف. عندما يتأمل المؤمن المجد الإلهي يجد نفسه في مواجهة خطيته الشخصية. عندما لمح النبي إشعياء قبسًا من رؤية الله هتف قائلًا: «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْت» (إشعياء6: 5). كان لأيوب اختبار مشابه، إذا دفعه الإعلان الإلهي إلى احتقار نفسه وأن «أَنْدَمُ فِي ٱلتُّرَابِ وَٱلرَّمَاد» (أيوب 42: 6). وعليه، فمن يُصلّي اليوم عليه أن يتوب ويعترف للرب بخطاياه.
3. عرفان بالجميل. يقين أن دم المسيح يفتح باب غفران الخطايا، وأن الله رحيم ومُحب «بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ فِي ٱلْمَسِيح» (أفسس 1: 3) من شأنه أن يخلق في نفس المؤمن مشاعر الشكر التي تعبر عن نفسه في الصلاة.
4. تضرع. الله يهمه بكل طلبة يرفعها المؤمن عن نفسه وعن الآخرين ويهتم بالأسباب والظروف، وليس من أمر أعظم أو أحقر من أن يستحوذ على اهتمامه؛ فكل شيء يمكن أن يُرفَع على مذبح الصلاة. وهذا قد يعني قائمة طلبات صلاة: وأبونا في السماء يحب أن يرفع أولاده طلبات صلاة محددة.
د. مُشكلات الصّلاة
1. الظلم من معوقات استجابة الصلاة. «هَا إِنَّ يَدَ ٱلرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ، وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَعَ.ÂÂ بَلْ آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لَا يَسْمَع» (إشعياء59: 1، 2).
2. الدوافع الخاطئة تعوق الصلاة. كتب الرسول يعقوب: «تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ، لِأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيًّا لِكَيْ تُنْفِقُوا فِي لَذَّاتِكُم» (يعقوب 4: 3). ينبغي ألا يكون دافع الإنسان في الصلاة إرضاء نفسه أو إشباعها، وإنما مجد الله؛ فأي دافع آخر فهو دافع وضيع ولا قيمة له كما أنه يغلق الباب أمام استجابة الصلاة.
3. وجود أوثان في قلب الإنسان يغلق قناة الصلاة. في زمن النبي حزقيال يسجل الوحي أن جمعًا من شيوخ بني إسرائيل جاءوا وجلسوا أمام رجل الله. بدا من الواضح أنهم يتوقعون إعلانًا منظورًا لقوة الله ولكن كلمة الرب جاءت إلى النبي: «يَا ٱبْنَ آدَمَ، هَؤُلَاءِ ٱلرِّجَالُ قَدْ أَصْعَدُوا أَصْنَامَهُمْ إِلَى قُلُوبِهِمْ، وَوَضَعُوا مَعْثَرَةَ إِثْمِهِمْ تِلْقَاءَ أَوْجُهِهِمْ. فَهَلْ أُسْأَلُ مِنْهُمْ سُؤَالًا؟» (حزقيال 14: 3). إذا أراد المؤمن أن «يسأل» من الله أمرًا ينبغي أن يكون شخصًا لا يُمجّد شيئًا سواه. من بين الأوثان التي على الأمر أن يدمرها: روح عدم الغفران (مرقس 11: 25، 26)، عدم المحبة والرحمة (أمثال 21: 31)، العصيان المستمر (أمثال 1: 24-28)، النفاق في المظاهر (إشعياء 1: 2-15).
هـ. مَواعيد الله المُتعلّقة بالصّلاة
1. الله يستجيب صلوات أولاده. الله أبانا وهو أب محب ولكنه أيضًا أب حكيم. هي يعرف الأفضل لشعبه وما يمكن أن يجعل مجده يمتد أكثر فأكثر. «لِأَنْ مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ ٱللهِ فَهُوَ فِيهِ «ٱلنَّعَمْ» وَفِيهِ «ٱلْآمِينُ»، لِمَجْدِ ٱللهِ، بِوَاسِطَتِنَا» (2كورنثوس 1: 20).
2. استجابة الصلاة يمكن أن تكون واحدة من ثلاثة اختيارات. أحيانًا يستجيب الله بالموافقة، وهي موافَقة تملأ قلب المؤمن بالفرح. وأحيانًا يستجيب الله بالرفض، وهذا الرفض يعلن أيضًا عن قلب الله المحب. وأحيانًا يستجيب الله بالتأجيل أو الانتظار، وهذا يتحدى المؤمن لكي يتحلى بالمثابرة والصبر ويواصل التشفع.3. أعلن الله نماذج للصلاة المستجابة. صلى سليمان طالبًا حكمة فنال استجابة لصلاته. (1ملوك 3: 6-9). وصلى حزقيا من أجل النجاة من سنحاريب ومنحه الله ما طلبه. (راجع 2ملوك 19: 14-36). صلى الرسول بولس من أجل أن يخلصه الله من شوكة في الجسد، فأجاب الله صلاته بأن رفض طلبه (راجع 2كورنثوس 12: 7-10).
عند الله خطة كاملة لجميع الدهور ومهما كانت استجابته فإن قراره هو الأفضل. وينبغي لنا يكون لهج قلبنا كمؤمنين: «أشكرك يا رب، حسنة هي جميع أفعالك».
نرى في كلام الإله الصمد
أساسًا لإيمانِنا كالجبل
وليس مزيدٌ على ما وعد
لمن يلجأون لذاك الحمل
و. الصّلاة المِثاليّة
قدّم لنا الرب يسوع المسيح، مُعلمنا الأعظم، نموذجًا مثاليًا للصلاة. مَن يريد أن يتقن فن الصلاة، عليه بدراسة نموذج صلاة الكاهن الأعظم التي أعطاها لنا الرب (يوحنا 17)، والصلاة الربانية (متى 6: 9-13). استبق الرب يسوع الصلاة الأخيرة بهذه الكلمات: «فَصَلُّوا أَنْتُمْ هَكَذَا..». لاحظ أن هذه الصلاة احتوت في المقام الأول أوصاف الله المتمثلة في القداسة والسيادة والقدرة والمجد، وفي المقام الثاني التضرعات لتسديد احتياجات المؤمن المادية والروحية.