بقلم د. القس چون ستوت
ترجمة أشرف بشاي
تكلّمنا كثيرًا في العهد القديم وتتبعنا مسيرة شعب إسرائيل، وتأمّلنا كثيرًا في البشائر الأربع وسرنا في إثر خطوات الرب يسوع. نأتي الآن إلى القسم الثالث من الكتاب المُقدّس الذي ندعوه سفر أعمال الرسل والرسائل وسفر الرؤيا، وهذا القسم يُساعدنا على تتبُّع مسيرة الكنيسة المسيحيّة.
لا يمكننا أن نتخيّل العهد الجديد بدون سفر أعمال الرسل، فلولا هذا السفر لصار العهد الجديد فقيرًا، فمع أننا لدينا أربع بشائر عن حياة الرب يسوع فإن لدينا سفرًا واحدًا فقط عن حياة الكنيسة الأولى، لذا فسفر الأعمال يحتل مكانة لا غنى عنها في الكتاب المُقدّس؛ ففي هذا الكتاب يُخبرنا البشير لوقا عن صُعود الرب يسوع إلى السماء ثم حُلول الروح القدس على التلاميذ، كما يخبرنا أيضًا عن خدمة استفانوس وفيلبس، ويُحدثنا عن الأحاديث الدرامية التي دارت بين الرسول بطرس وكرنيليوس، ثم بعدما يتلاشى تدريجيًا دور الرسول بطرس يبدأ البشير لوقا في إلقاء الضوء على الدور البارز للرسول بولس.
لكن سفر الأعمال يحتوي على ما هو أكثر من مُجرد سرد الأحداث الخاصّة بالكنيسة الأولى، فإحدى ميزات هذا السفر هي كمية الإلهام والتشجيع الكبيرة التي يجلبها إلى قلوب المؤمنين. لقد كان المُصلح الإنجيلي الشهير چون كالفن مُحقًا حينما دعا هذا السفر بـ «الكنز الكبير».
«اَلْكَلاَمُ الأَوَّلُ أَنْشَأْتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ، عَنْ جَمِيعِ مَا ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ، بَعْدَ مَا أَوْصَى بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الرُّسُلَ الَّذِينَ اخْتَارَهُم» (أعمال الرسل ١:١-٢).
يؤمن جميع المسيحيين أن البشير لوقا هو كاتب البشارة التي تندرج تحت اسمه. في الحقيقة يبدو لنا أن البشير لوقا لم يترك لنا كتابيْن (بشارة لوقا وسفر الأعمال)، بل كتابًا واحدًا ذا قسميْن. وبالتأكيد فإن مُقدّمة البشارة تصلح لأن تكون مُقدّمة للكتابيْن. وفي سفر أعمال الرسل يُدوّن لنا البشير لوقا أحداثًا معيّنة تمت في الكنيسة الأولى، وقد شهد الرسل هذه الأحداث ونقلوها إلى الجيل الذي جاء بعدهم. يكتب البشير قائلاً «تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيق» (لوقا ١: ٣) ثم قرّر أن يكتب ما تتبعه. وكطبيب على درجة عالية من التعليم فقد كتب لنا كتابيه في لغة يونانية رصينة ولامعة، ولأن لوقا كان مصاحبًا للرسول بولس في مواقف كثيرة (يُمكننا مُلاحظة استخدامه للضمير «نحن» حينما سافر مع الرسول)، لذا فقد عاين البشير لوقا أحداثًا كثيرة جرت في سفر الأعمال (كان شاهد عيان على هذه الأحداث). كان شروين وايت قارئًا نهمًا للتاريخ القديم في جامعة أكسفورد. وصل شروين وايت إلى استنتاج مهم فكتب قائلاً: «إن تاريخية سفر الأعمال مقطوع بها».[1]
مع ذلك فهناك تحذير ملائم يجب تقديمه مع هذه النقطة؛ حينما نقرأ سفر الأعمال يتعيّن علينا أن نلاحظ أن الكنيسة الأولى لم تكن مثالية تمامًا أو خالية من كل عيب، فلقد كانت بالكنيسة شوائب كثيرة كما سيرد تفصيلاً.
إن العنوان المتواتر لهذا السفر هو «سفر الأعمال» وقد ورد هذا العنوان في قوائم الأسفار القانونية منذ القرن الرابع الميلادي. إنني أعتقد أن هذا العنوان يكاد لا يكون عنوانًا مناسبًا بالمرة لأنه لا يتضمّن أيّة إشارة عمّن قام بهذه الأعمال. كذلك فإن العنوان «أعمال الروح القدس» يحتوي على إشارة مهمّة لكنه يغفل الدور البشري للرسل الذين استخدمهم الروح القدس. إن العنوان التقليدي لهذا السفر هو «أعمال الرسل»، وبالتأكيد ظهر الرسل على مسرح أحداث هذا السفر لكن أيًا منهم لم يكن مُشارًا إليه في الآية الأولى من السفر التي تنسب الأقوال والأفعال إلى الرب يسوع. إن أصح العناوين لهذا السفر -رغم طوله- يجب أن يكون: «الأقوال والأفعال التي استمر الرب يسوع في إنجازها بواسطة الروح القدس العامل في رسله الأطهار».
للمزيد، اقرأ بشارة لوقا ١:١-٤.
[1] I. A. N. Sherwin-White, Roman Society and Roman Law in the New Testament (Oxford: Oxford University Press, 1963), 25.