بقلم مارك آلان پاول
ترجمة أشرف بشاي
مهما قلنا أيضًا عن الرسول بُولُس فلن نوفيه حقه! إنه يبدو كشخص غير عادي؛ إنه لم يكن «يهوديًا» تمامًا، ولا «مسيحيًا» تمامًا، ولا «مواطنًا» عاش في العالم اليوناني-الروماني فقط. كان الرسول بُولُس شخصًا يجيدُ الجدلَ والإقناع على السواء. إن أحد الأسباب التي دعتْ الرسول بُولُس لكتابة رسائل كثيرة جدًا هو أن الناس كانوا يجادلونه كثيرًا، وأحد الأسباب التي جعلتنا نقتني رسائله هي أن وُجهات نظرِه ما تزال سائدةً حتى الآن. ويبقى الرسول بُولُس كالعلامة الشاهقة في تألُّقِه الفكريّ، سواء لدى المؤرخين الدينيين أو الدنيويين secular على السواء، كواحدٍ من أعظم المُعلِّمين الأخلاقيين في التاريخ، وكأكثرَ من عاشوا من اللاهوتيين المسيحيين تأثيرًا في التاريخ كلِّه. لقد وَصَفَ جوناثان إدواردز الرسولَ بُولُس إنه «أكثر الفروع الرسوليّة، التي انبثقتْ من شجرة المسيح المقام، إثمارًا، لدرجة أن أكبر أجزاء هذه الشجرة قد خرجت من هذا الفرع». لا شيء آخر يُعادل رسائل الرسول بُولُس في كونها الكتابات الوحيدة التي لدينا لفريسي ينتمي لما ندعوه «يهوديّة الهيكل الثانيSecond Temple Period (وتشمل الفترة من 537 ق م إلى 70م). لذا، فبغض النظر عن شهرة بُولُس المطلَقة في المسيحيّة، يبقى الرسول علامةً فارقة في الكتاباتِ اليهوديّة أيضًا.
لكن ليس هذا كل شيء بل هناك المزيد عن بُولُس، فمع أن هناك أجزاءَ كثيرة عسِرةَ الفهم في رسائله (راجع بُطْرُس الثانية 3: 16)، إلا أن هناك أيضًا الكثير الذي يهم غيرَ المثقفين وكذلك غير المهتمين بـ «الفكر اللاهوتي». هناك مقاطع فائقةُ الجمال في كتاباتِه: إن شكسبير لم يكتب ما هو أروع من كُورِنْثُوس الأولى 13، كما أن هناك أجزاء أخرى مُلهِمة بشكل غير عادي، حتى إن ملايين العظات التي قٌدَّمت لتميط اللثام عن معانيها لشعوبٍ وحضاراتٍ لا تُعدُّ ولا تُحصى. كذلك هناك أيضًا نصوصٌ مملوءة بالإشكاليّات يبدو فيها الرسول بُولُس قصيرَ النظر ومعاني كلماته سهلة قريبة: عندما يدين اليهود (تَّسَالُونِيكِي الأولى 2: 14-16)، وعندما يتقبَّل الرِق (العبوديّة) (كُورِنْثُوس الأولى 7: 21-22)، وحينما يطالب النساء بالصمت (كُورِنْثُوس الأولى 14: 34-35). بالطبع هناك عددٌ من الاقتراحات المختلفة التي قُدِمِّت لشرح مثل تلك النصوص، وسوف نأتي على ذكر بعضِها في المقالات التي تتبع.
ولكي نُقدِّر كم كان رائعًا هذا الإنسان؛ الرسول بُولُس، يتعيّنُ علينا أن نقتربَ من كتاباتِه في ضوءِ فكرتيْن رصينتيْن وواقعيتيْن: أُولاهما، إننا نقرأ كتابات «شهيد»، فلقد عانى الرسول بُولُس كثيرًا من أجل إعلان الإنجيل، بل لقد كان يموت في سبيل ما آمن به. كان يهتم كثيرًا بما يتعيّن عليه قولُه. كان مستعدًا لتحمُّل الإذلال والعذاب الجسديّ بل والموت في سبيل إعلان ما يريد. ثانيتهما، نحن نقرأُ كتاباتِ مهتدٍ (بمعنى من المعاني على الأقل)، فقبلما كان بُولُس تابعًا للمسيح، حاول أن يدمِّرَ كنيستَه، مُتبنيًا سياسةَ العنف ضد هؤلاء الذين يعترفون بالإيمان الذي تألّم بسببِه الرسول نفسُه فيما بعد. لقد حدث شيءٌ ما حَوَّلَه من عدوٍ سيئ السمعة إلى أكبر وأبرز مُرَوِّج لهذا الإيمان، والمتحدِّثٍ باسمه، ومن شخص مستعدٍ لارتكاب جرائم القتل من أجل قناعاتِه إلى إنسانٍ آخر مستعد أن يموت من أجل تلك القناعات والإيمانيات.