بقلم مارك آلان پاول
ترجمة أشرف بشاي
تُعدُّ كتابة الرسائل وإرسالها من الأنشطة السهلة والمميِّزة للعصر الذي نحيا فيه اليوم؛ فالكثيرون منا يرسلون ويستقبلون رسائل عديدة يوميًّا على بريدهم الالكترونيّ، أما رسائل الهواتف، وسائر الأجهزة المحمولة الذكيّة، فهي بلا عدد. كان الأمرُ يتطلّبُ وقتًا وانتباهًا لكي يتعايش المرء مع أساليب البريد القديمة؛ ككتابة الرسائل بخط اليد، ثم وضع الرسالة في مُغلَّفٍ (مظروف)، يلي ذلك كتابة العنوان ثم لصق طابع البريد، ويتبقّى فترةُ الانتظار لأيامٍ عديدة لكي يصل الخطاب إلى وجهتِه المحدَّدة.
حاول، عزيزي القارئ، أن تتخيّل كيف كانت الحياة في المجتمع الروماني؛ إنه لم يكن فقط مجتمعًا لا يعرف الكمبيوتر والانترنت، بل أيضًا كان مجتمعًا يخلو من الآلة الكاتبة، والأقلام الحبر والورق وصناديق البريد. لقد كانت عملية كتابةُ الرسائل ووصولُها إلى هدفِها المقصود مرهقةً للغاية. ومع ذلك فإن واحدًا وعشرين كتابًا، من أصل سبعةٍ وعشرين التي يتضمّنها كتابُ العهد الجديد، كُتِبوا في شكل رسائل (بمعنى أو بآخر)، ويمكننا أن نجد تسعَ رسائل أُخر، على الأقل، تمثِّلُ جزءًا لا يتجزّأ من سفرْين آخرين (راجع أَعْمَال الرُّسُلِ 15: 23-39؛23: 26-30؛ رؤيا يُوحَنَّا ص 2، ص3).
ترتيب رسائل العهد الجديد
يمكن أن نُرتِب الرسائل الإحدى والعشرين كالآتي:
- رسائل كتبها الرسول بُولُس إلى كنائس.
- رسائل كتبها الرسول بُولُس إلى أفراد.
- رسالة لا نعرفُ هويّة كاتبها، هي رسالة العبرانيين.
- رسائل يَعْقُوب وبُطْرُس ويُوحَنَّا ويَهُوذَا.
إن رسائل الفئتيْن الأُوَلييْن (رسائل بُولُس) ترِدُ إلينا مرتبةً حسب طولها (من الأطول إلى الأقصر)، وهو ما قد يصدم القارئ المعاصر باعتبار أن ذلك أمرٌ غريبٌ أو متعسَّفٌ. يفضّل العلماء دراسة هذه الرسائل حسب ترتيب كتابتها زمنيًا (من الأقدم إلى الأحدث)، لكن لأن الرسائل ليست مؤرَّخةً فإنه من الصعب تقرير ترتيبها زمنيًا بشكل صحيح. بعض العلماء (الذين لديهم متسعٌ من الوقت) أدركوا أن رسالة أفسس أطول من رسالة غَلاَطِيّة قليلًا (ربما ببضع كلمات فقط)، وعليه، فمن المحتمل أن ينعكس ترتيب الرسالتيْن في العهد الجديد لديهم (لأن ما لدينا الآن هو قائمة قديمة لكتابات العهد الجديد، حسب الاكتشافات التي لا دخل لنا فيها).
ورسائلُ العهدِ الجديد مرتَّبةٌ، في صورتها الحاليّة النهائيّة، حسب ترتيب أسماء الكُتّاب الوارد في غَلاَطِيّة 2: 9 (يَعْقُوب، ثم بُطْرُس، ثم يُوحَنَّا) مع رسالة يَهُوذَا القصيرة (التي لم يُشَرْ إليها في غَلاَطِيّة 2: 9) والتي يمكن اعتبارها الغلاف الخلفي للرسائل (آخر الرسائل). وللغرابة، فإن رسائل يَعْقُوب، وبُطْرُس، ويُوحَنَّا، ويَهُوذَا ترِدُ بعد سفر الأعمال مباشرةً في معظم المخطوطات اليونانيّة للعهد الجديد، أي قبل رسائل بُولُس. أما ترتيب الرسائل، في الكتاب المقدَّس الذي بين أيدينا اليوم، فيتوافق مع النُسخ اللاتينيّة المتأخرة، مع أن أحدًا لا يعرف، على وجه الدقة، زمنَ أو سببَ حدوث هذا التغيير.
وتطلق الكنائسُ، أحيانًا، تسمياتٍ أخرى مختلفة للإشارة إلى مجموعاتٍ مُعيّنة من الكتاباتِ، فمثلًا:
- الرسائل الرعويّة، وهي الرسائل الثلاث المعنوّنة إلى زملاء الرسول بُولُس الذين وَثَقَ بهم للاضطلاع بمهمة القيادة الرعويّة للكنائس: تِيمُوثَاوُس الأولى، وتِيمُوثَاوُس الثانية، وتِيطُس.
- رسائل السجن أو رسائل المعتقَل، وهي الرسائل الخمس التي كتبها الرسول بُولُس، على ما يبدو، أثناء سجنه: أفسس، وفِيلِبِّي، وكُولُوسِّي، و تِيمُوثَاوُس الثانية، وفِلِيمُون.
- الرسائل الكاثوليكيّة (الجامعة أو العامة)، وهي سبعةُ كتب أُرسِلتْ إلى الكنائس في عموم المسكونة، وهي رسائل يَعْقُوب، وبُطْرُس الأولى، وبُطْرُس الثانية، ويُوحَنَّا الأولى، ويُوحَنَّا الثانية، ويُوحَنَّا الثالثة، ويَهُوذَا.
بقي أن نقول إن دِقّة هذه التسميات هي محلُ تساؤل، لكن هذه التسميات تقليديّة وما زالت الكنائس تستخدمها حتى اليوم.