بقلم مارك آلان پاول
ترجمة أشرف بشاي
إن اهتمامًا واضحًا يجب أن يُبذَل في اكتشاف علم الكنيسة ecclesiology في رسالة أَفَسُس التي تتميّز بتركيزِها الشديد على طبيعة الكنيسة ووظائفها.
أولُ كل شيء، يجب علينا أن نلاحظ أن كلمة «كنيسة εκκλησια» لم تُستخدَم ولا مرة واحدة، في هذه الرسالة، للإشارة إلى الكنيسة المحليّة، بل تشير، في جميع مرات وُرودِها، إلى الكنيسة العامة حول العالم (1: 22؛ 3: 10، 21؛ 5: 23، 24، 25، 27، 29، 32). إن كلمة «الكنيسة» في رسالة أَفَسُس هي مرادف لـ «جميع البشر الذين تصالحوا مع الله من خلال يسوع المسيح».
والعلاقة العضويّة التي تربط بين المسيح وكنيسته شيء مؤكَّدٌ في هذه الرسالة. ويتخِّذ الكاتب من العلاقة الحميمة التي تربط الزوجَ بزوجته استعارةً حيّة تُفسِّر أو تترجِم وحدانيّة المحبة بين المسيح والكنيسة (5: 31-32). في مكان آخر يقول الرسول بُولُس إن المسيح مات من أجل الخطاة (رُومِية 5: 6، 8)، وأحيانًا «مات من أجل الجميع» (كُورِنْثُوس الثانية 5: 14-15)، أما اللافت للنظر في رسالة أَفَسُس أن المسيح «مات من أجل الكنيسة» (5: 25). لقد قدَّسَ المسيحُ الكنيسةَ أيضًا، وفي استحضارٍ لفكر المعموديّة، «أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ» (5: 25-26). لذلك، فوحدة الكنيسة وقداستها هما هدف آلام المسيح وموته. ويواظب المسيحُ الرب مستمرًا في مهمته الجليلة «يقوت الكنيسة ويربِّيها» (5: 29) للوصول بهذه الغايات، الوحدانيّة والقداسة، إلى النهاية. إن للكنيسة مكانةً مركزيّة في خطة الله، لتوحيد الخليقة كلها. هذه الخطة قد اُستعلنت للكنيسة (1: 22)، وهذه الخُطة تُنقَلُ الآن بواسطة الكنيسة (3: 10).
والكنيسة في رسالة أَفَسُس هي مؤسَّسة روحيّة وأرضيّة في نفس الوقت؛ فروحيًا، الكنيسةُ هي جسدُ للمسيح (1: 22-23؛ 4: 12)، أو هي الجسد الذي رأسُه المسيح (5: 23 قارن مع كُولُوسِّي 1: 18). إن هذا المفهوم يختلف قليلًا عن الصورة التي علّم بها الرسول بُولُس في مواضعَ أخرى من العهد الجديد (رُومِيّة 12: 4 – 8؛كُورِنْثُوس الأولى 12: 12-27) لأنها صورةٌ تفترضُ اعتمادًا متبادلًا بين المسيح والكنيسة؛ فالجسد-بطبيعة الحال- دون الرأس يموت، والرأس أيضًا لا يستغني عن الجسد لكي يحيا ويؤدي وظائفه. وفي استعارة أخرى غريبة ومختلَطة، تُوصَف الكنيسة بأنها «بناءٌ حيّ» ينمو فيها المؤمن كما في هيكلٍ مقدسٍ يسكن فيه الله الحيّ بذاته (2: 19-22). والكنيسة، في نفس الوقت، هي مؤسَّسة أرضيّة فيها من السلطان وأساليب الإدارة والحكم ما يُشبِه الدولةَ تمامًا؛ ففيها الرسل والأنبياء (2: 20؛ 3: 5؛ 4: 11)، بالإضافة إلى المبشِّرين والرعاة والمُعلِّمين (4: 11) الذين يقومون بخدماتهم وفقًا لمواهبهم. لذا، فإن العمل والخدمة الحقيقييْن لا يُنجَزان بواسطةِ القادة في مكاتبهم، بل يقوم به «القديسون» المؤتمَّنون، وهذا الأمر يصعُب فهمه بالنسبة للشخص العلماني الذي يُعد المهام ويُسجِّلُ أسماءَ الأعضاء في الكنائس المختلفة. إن المهمة الأساسيّة للخُدّام في الكنيسة هي «تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَة» حتى يتمكّن الجميع من اختبار خطة الله في الوحدانيّة والملء؛ «وَحْدَانِيّة الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ الله» (4: 12-13).
ووحدانيّة الكنيسة يجب أن تكون «محك الذهب» للسلوك الأخلاقيّ لدى مؤمني أَفَسُس؛ إن جميع الأوامر الأخلاقيّة الست والثلاثين الموجودة في الجزء من 4: 1 إلى 6: 20 مرتبطةٌ بالتأكيد الذي مفادُه «لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ الْبَعْض» (4: 25)، وطبقًا لذلك، فإن المؤمنين يجب أن يتصرّفوا إزاءَ بعضِهم على اعتبار أنهم امتداد لبعضهم البعض (5: 28-30). وهذا المفهوم يمكن أن نعتبره بمثابة «الإدراك الغيبيّ» للقانون الذهبي للمعاملات: إن التركيز هنا ليس على مجرد التطبيق البسيط لقول الرب يسوع «فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاء» (متى 7: 12). إن الفكرة هنا: إن ما تفعله للآخرين إنما تفعله، في الحقيقة، لأجل نفسك، إذ أنك فيهم وهم فيك. وهذا الفكر يصِحُّ ويصدُق، بأفضل صورة، على أعضاء الأسرة الواحدة في البيت المسيحي. وهكذا فإن رسالة أَفَسُس تقدِّم لنا البيت المسيحي كـ «ماكيت- أو كنموذج مجسَّم مصغَّر» للكنيسة (التي من الممكن أن يُطلق عليها اسم «بيت الله» راجع 2: 19 قارن أيضًا تِيمُوثَاوُس الأولى 3: 15).