في دراما الفداء الإلهية كان الشيطان العدو اللدود لله منذ البداية. على المرء معرفة ما يُعلّمه الكتاب المقدس بشأن هذا العدو العتيد للنفس إذا أراد أن يفهم الظروف المخيفة المحيطة به وإذا أراد أن يواجه هجمات العدو وينتصر عليه. يستغل الشيطان ثلاثة أخطاء لصالحه وهي أخطاء علينا الاجتهاد في تجنُّب الوقوع فيها. أول خطأ هو الاعتقاد الشائع بأن الشيطان ليس شخصًا فعليًا. والخطأ الثاني هو الاعتقاد بأنه إذا كان الشيطان موجودًا، فهو لا يتعدّى كونه كائنًا من اختراع الشاعر الإنجليزي ميلتون يتسم بأنه خارج من عالم الفانتازيا ذو أذن كبيرة، مولع باللعب، وشقي. أما الخطأ الثالث فهو الظن بأن مسكن الشيطان الوحيد هو الجحيم. إن التمسّك بأي من هذه الآراء يتعارض مع الكتاب المقدس، وتجاهل قدرة الشيطان أو التقليل منها يؤدي إلى الحد من قدرة المرء على مقاومة أكاذيبه.
أ. أوصَاف الشّيطان في الكِتاب المُقدّس
نجد أوصافًا عديدة لعدو الله في الكتاب المقدس: «كَذَّابٌ وَأَبُو ٱلْكَذَّاب» (يوحنا 8: 44)، «رَئِيسَ هَذَا ٱلْعَالَمِ» (يوحنا 14: 30)، «إِلَهُ هَذَا ٱلدَّهْر» (2كورنثوس 4: 4)، «رَئِيسِ سُلْطَانِ ٱلْهَوَاءِ، ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ ٱلْآنَ فِي أَبْنَاءِ ٱلْمَعْصِيَةِ» (أفسس 2: 2)، «إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ» (1بط 5: 8)، «ٱلتِّنِّينِ، ٱلْحَيَّةِ ٱلْقَدِيمَةِ، ٱلَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَٱلشَّيْطَانُ» (رؤيا 20: 2).
ب. أصل الشّيطان
تشير فقرتان كتابيتان على الأقل إلى الطبيعة الأصلية للشيطان وتصف سقوطه من السماء.
1. حزقيال 28: 12-19. تشير هذه الكلمات إلى ملك صُور أولًا بصفته شخصًا تاريخيًا، وثانيًا بصفته رمزًا للشيطان قبل طرده من محضر الله. لاحظ «ٱلْكَرُوبُ ٱلْمُنْبَسِطُ ٱلْمُظَلِّلُ» (آية 14)، «مَلآنٌ حِكْمَةً وَكَامِلُ ٱلْجَمَال» (آية 12)، «أَنْتَ كَامِلٌ فِي طُرُقِكَ مِنْ يَوْمَ خُلِقْتَ» (آية 15)، «حَتَّى وُجِدَ فِيكَ إِثْم» (آية 15)، «قَدِ ٱرْتَفَعَ قَلْبُكَ لِبَهْجَتِكَ» (آية 17)، لهذا، «سَأَطْرَحُكَ إِلَى ٱلْأَرْضِ» (آية 17).
لقد خُلِق إبليس في الأصل كائنًا مملوءًا بالحكمة والجمال والمثالية. وبسبب كبريائه طُرح من مكانته النقية. وهو يعمل جاهدًا في مقاومة مقاصد الله بصفته رئيس هذا الزمان وإلهه.
2. إشعياء 14: 12-15. يصف هذا المقطع سقوط لوسيفر أو زُهرة بنت الصبح. لاحظ صيغة المتكلم في الأفعال «أصعد، أرفع، أجلس، أصعد، أصير» في الآيتيْن 13 و14. رفع الكروب قلبه في تحدٍ ضد الله وعوقب على تمرده: «كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ ٱلصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى ٱلْأَرْضِ يَا قَاهِرَ ٱلْأُمَمِ؟» ألا تتردد هذه الحقيقة نفسها في قول الرب يسوع: «رَأَيْتُ ٱلشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ ٱلْبَرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاء» (لوقا 10: 18). (قارن بما جاء في رؤيا 12: 7-9)
ج. شخصيّة الشّيطان
1. الشيطان هو العدو القوي لله. فمصارعتنا «لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ ٱلرُّؤَسَاءِ، مَعَ ٱلسَّلَاطِينِ، مَعَ وُلَاةِ ٱلْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا ٱلدَّهْر» (أفسس 6: 12). لإبليس أعوان غير مرئيين، فهو بعلزبوب «رَئِيسِ ٱلشَّيَاطِينِ» (لوقا 11: 15)، وعدده «لَجِئُونُ» (لوقا 8: 30). إنه مع أعوانه يُمثّلون أجنادًا قوية.
2. إبليس داهية وخبيث. فهو «ٱلَّذِي يُضِلُّ ٱلْعَالَمَ كُلَّهُ» (رؤيا 12: 9). أبدى الرسول بولس احترامه لدهاء الشيطان «وَلَكِنَّنِي أَخَافُ أَنَّهُ كَمَا خَدَعَتِ ٱلْحَيَّةُ حَوَّاءَ بِمَكْرِهَا، هَكَذَا تُفْسَدُ أَذْهَانُكُمْ عَنِ ٱلْبَسَاطَةِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيح» (2كورنثوس 11: 3). فالشيطان ماكر باحتراف، رسول كاذب من الدرجة الأولى، وأستاذ في تزييف الحق. (ادرس 2كورنثوس 11: 13-15).
3. إبليس شرير جدًا. «مَنْ يَفْعَلُ ٱلْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ، لِأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ ٱلْبَدْءِ يُخْطِئ» (1يوحنا 3: 8).
د. أعمال الشّيطان
يسمح الله لإبليس أن يقوم بشرور كثيرة لفترة من الزمن. الشيطان يسحق عقب نسل المرأة (تكوين 3: 15). الشيطان وحلفاؤه يعارضون معارضة مباشرة كل ما تفوح منه رائحة الحق أو الجمال أو الصلاح.
1. إبليس يحتقر كلمة الله وعازم على ألا يسمح بأن تسكن سكنى دائمة في قلوب البشر. عندما تسقط البذور على الطريق «يَأْتِي ٱلشَّيْطَانُ لِلْوَقْتِ وَيَنْزِعُ ٱلْكَلِمَةَ ٱلْمَزْرُوعَةَ فِي قُلُوبِهِم» (مرقس 4: 15).
2. إبليس يعمي أذهان غير المؤمنين حتى لا يروْا أن هناك مخلصًا لحياتهم. «وَلَكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُومًا، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي ٱلْهَالِكِينَ، ٱلَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا ٱلدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ، لِئَلَّا تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱلله» (2كورنثوس 4: 3، 4).
3. يلقبه الرسول بولس بلقب «ٱلْمُجَرِّبَ» (1تسالونيكي 3: 5). يبدو أنه ما من شيء يسعد إبليس أكثر من إغواء خُدّام المسيح. فكما جرّب المُخلِّص، نجده يوجه هجماته ضد المؤمنين، ولديه مجالاته في التجربة (راجع 1كورنثوس 7: 5)، و«أفكاره» (2كورنثوس 2: 11) التي ينبغي ألا يجهلها أولاد الله.
4. إبليس يضطهد أتباع المسيح ويواصل مضايقته لهم بطرق عديدة. وهو يحرّضهم على خيبة الأمل، ويقاومهم في عملهم المسيحي. على سبيل المثال، كتب الرسول بولس إلى الكنيسة في تسالونيكي قائلًا: «لِذَلِكَ أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِيَ إِلَيْكُمْ -أَنَا بُولُسَ- مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ. وَإِنَّمَا عَاقَنَا ٱلشَّيْطَان» (1تسالونيكي 2: 18). إبليس مستيقظ باستمرار، وهو يعشق إثارة المشاكل. إنه يجول كأسد زائر «يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ» (1بطرس 5: 8).
5. في كثير من الأحوال يسعى الشيطان إلى تحقيق مقاصده الشريرة بواسطة البشر واستخدامهم كأدوات تحقّق عمله، فخيانة يهوذا للمسيح كانت نتيجة قوة الشيطان التي حلّت فيه «دَخَلَهُ ٱلشَّيْطَان» (يوحنا 13: 27). حالات طرد الشياطين التي تصفها الأناجيل كانت ضرورية لأن الأرواح الشريرة كانت قد سكنت في قلوب البشر (راجع متى 12: 27، 28، 43-45).
6. إبليس يشتكي على البشر أمام الله. يصفه الرسول يوحنا بأنه «ٱلْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا، ٱلَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلَهِنَا نَهَارًا وَلَيْلًا» (رؤيا 12: 10). في كل مرة يخطئ المؤمن يبدو وكأن الشيطان يمثل في محكمة السماء رافعًا إصبع الاتهام. وفي مواجهة هذه الوقاحة فإن ربنا يسوع المسيح «شَفِيعٌ عِنْدَ ٱلْآبِ» (1يوحنا 2: 1) يتشفع نيابة عنا على حساب دمه. وسُكنى الروح القدس تبكّت الخاطئ، ثم يلي ذلك التوبة والاعتراف والغفران (1يوحنا 1: 9)، عندئذ يُسترَد المؤمن إلى الشركة مع الآب (نشجّعك أن تستظهر غيبيًا 1يوحنا 1: 9).
7. إبليس يوجّه أهم جهد له بصفة عامة نحو إحباط مقاصد الله. وسيواصل محاولاته بجهد غير واهن حتى يُطاح به. نشكر الله أنه سيأتي يوم مُخلّصنا كُلّي القدرة الذي «يُبِيدَ بِٱلْمَوْتِ ذَاكَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيس» (عبرانيين 2: 14).
ه. إِطار أنشطة الشّيطان
السِجل الجزئي الوارد أعلاه لبعض أعمال إبليس يوضِّح أن مجال عمليات عدونا ليس محدودًا بالجحيم بأي حال من الأحوال. فهو لا يتردّد في غزو قلوب البشر أو ساحات السماء. ولأن أعوان الشر يتمّمون عمله فهو يكاد يكون موجودًا في كل مكان. وحينما تسنح أي فرصة لإغواء شخص على ارتكاب خطية أو اعتراض طريق الخير، فهو لا يُهدر وقتًا ولا يألو جهدًا في استغلالها. ولأنه رئيس هذا الدهر وإلهه فإنه يمارس ضغطًا مستمرًا وشريرًا في جميع أنحاء العالم على بني البشر.
و. مَصير الشّيطان
كان أحد أهداف تجسّد المسيح هو تدمير إبليس، وهذا التدمير سيكون إتمامًا للنبوة المذكورة في تكوين 3: 15 الذي أنذر فيه الله الشيطان بأنه سيأتي اليوم الذي يسحق فيه نسلُ المرأة، أي المسيح، رأسَه (ادرس غلاطية 3: 16). مهما بلغ شر نوايا إبليس أو قسوة مكائده، فإنه بمقدور المؤمنين أن يشدّدوا قلوبهم متمسكين بيقين أنه سيأتي اليوم الذي سيُطاح بإبليس تمامًا من المشهد. صحيح أن الشيطان نشط في الوقت الحاضر، ولكن مصيره محتوم وهو يعلم ذلك.
على الجلجثة تلقت الحية الضربة القاضية (راجع يوحنا 12: 31، 32)، ولكنها إذ تواصل التلوي ألمًا تحاول عازمة أن تأخذ معها أكبر عدد ممكن من نفوس البشر إلى هلاكها النهائي. ستكون ذروة الأحداث حينما يُطرح «أبو كل كذاب» «طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ وَٱلْكِبْرِيتِ» وهناك «سَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِين» (رؤيا 20: 10).
1. لا تنخدع بفكرة أن إبليس مجرد شخصية أسطورية، وإنما احترم حقيقة أنه شخص يمتلك قدرة وشرًا كبيريْن، وأن قصده هو أن يخدعك وأن يدفعك للسقوط، وأنه يعلم أضعف جوانب شخصيتك. قد تكون هذه النقطة الكبرياء أو الشهوة أو الشره أو عدم المحبة. أيًا كان هذا الضعف فالشيطان مستيقظ ويسعى إلى استغلاله وإسقاطك.
2. تذكر أن النصرة ممكنة، ولكنك بقدرتك ستعجز على غلبة عدو أقوى منك.
3. صدّق أن الله دبّر لك نصرة على إبليس، وأعطاك مثالًا في المسيح ليشجّعك ويرشدك. (راجع متى 4: 1-11). لقد انتصر الرب يسوع على المُجرِّب في برية اليهودية. وفيه أنت أيضًا تستطيع أن تنتصر. كما أن الله يوفّر لك كل سلاح روحي تحتاجه للنصرة (راجع أفسس 6: 11-17). لقد علّمك أن تنتظر القوة وتصلي من أجلها (راجع متى 26: 41). لقد زوّدك بسلاح الهجوم الوحيد لتحقيق مقاصده، إنه كلمة الله. ولكن قبل كل شيء، أعطاك الله حليفًا إلهيًا لن يخذلك أبدًا، ألا وهو الروح القدس.
وعليه، «قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُم» (يعقوب 4: 7). النجاح في المقاومة ممكن. انتبه جيدًا للوصية التي تستهل هذه الكلمات: «فَٱخْضَعُوا لِله»، فالنفس الخاضعة وحدها هي التي يمكن أن تتوقّع النصرة، وليس النفس التي تحاول النصرة اعتمادًا على قدرتها. مَن يبقى ثابتًا في خُضوعه لله، ويسمح بل ويتوقّع من الروح القدس أن يقود النصرة فيه وبه، هو مَن سينتصر.