ترجمة أمجد أنور
يمكن دراسة دراما الكتاب المقدس من منظوريْن، أولهما، باعتبارها إعلانًا يزيح الستار عن العلاقات المتنوعة بين الله والبشر. وثانيهما، باعتبارها صراعًا هائلًا بين الله القدير والشيطان، وهذا الصراع يبلغ ذروته في الهزيمة النهائية للشيطان وأجناده.
أ. الدِراما: الله والإنسَان
1. الشركة الكاملة. خلق الله الإنسان لكي يقيم معه شركة. أقامه في جنة بديعة محاطًا ببيئة أروع ما يكون. في البداية كانت الشركة بين الله والإنسان شركة حلوة وكاملة، وطالب الله الإنسان بالطاعة الكاملة. ومن ثم، فإن نعمة الشركة المستمرة غير المكسورة كانت قائمة على إطاعة المشيئة الإلهية.
2. انكسار الشركة. لكن الإنسان بما وُهب من قدرة على الاختيار انصاع للإغواء واختار الاختيار الخاطئ، فاختار رغباته بدلًا من مشيئة الله، وعصي كلمة الله الواضحة وأغرق الجنس البشري بأكمله، رغم عدم ولادته بعد، في مستنقع البؤس والانفصال عن الله.
الجنس البشري بأكمله؟ نعم بأكمله؛ لأن آدم كان رأس الجنس البشري. لم يكن مجرد فرد، وإنما كان الإنسان الذي يُمثّل البشرية كلها. عندما سقط آدم، سقطت «فيه» البشرية بأكملها. هذا هو التعليم الجلي للكلمة المقدسة (مثلًا ما جاء في 1كورنثوس 15: 22). كان انفصال الإنسان عن الله العاقبة المحتومة للاختيار الشرير الذي اختاره آدم. ومن ثم، فإن الخطية دائمًا تؤدي إلى الانفصال عن الله. لن يكون للخالق شركة مع مخلوق موصوم وملوث بالخطية. وهكذا، وقع آدم وحواء وكل نسلهما تحت لعنة الله.
يتمركز قلب الكتاب المقدس حول تعاملات الله مع الجنس البشري الساقط، فنجده يعطي فرصة للبشر حتى يقتربوا منه المرة تلو الأخرى. ولكن سواء تعامل معهم بالإدانة أو الرحمة، فإن البشر أخذوا يرفضون عرض نعمته المرة تلو الأخرى. العهد القديم بأكمله يكشف عجز الإنسان المطلق عن استرداد الشركة المكسورة. ترتكز الدراما حول:
أ. سلسلة من الدينونات. الطرد من الجنة، والطوفان، وبلبلة الألسنة في بابل. هنا نجد تأكيدًا لقاعدة أن الخطية تؤدي دائمًا إلى انفصال ودينونة (تكوين 3-11).
ب. اختيار أُمَّة (تكوين 12)، وهي شعب بني إسرائيل، لتكون قناة لإعلان نعمة الله، ومستودعًا للمواعيد والبركات، وسبيلًا لاستمرار النسل الذي سيُولد منه المسيح. ولكن الآباء، قادة الأمة الأولين، خانوا الثقة. وتروي الفصول الختامية لسفر التكوين كيف صار بنو إسرائيل العصاة تحت نير العبودية في مصر.
ج. الشرائع في سيناء (خروج 20). عقب الخروج من مصر تحت قيادة موسى، خضع شعب بني إسرائيل للناموس (الشريعة). كانت الشريعة هي «المعلم» الذي علّمهم دروسًا عن قداسة الله، وعن ضعفهم الروحي، واحتياجهم لفداء إلهي. ولكن الكلمة ترينا ميل الأمة للعقوق ويتضح هذا في عبادتهم للأوثان حتى حينما كان موسى يتلقى الناموس من يد الله (قارن بما جاء في خروج 32).
د. إقامة مملكة (1صموئيل 10). عَبَر الشعب البرية ودخلوا أرض الموعد مرة أخرى. واُختتمت حقبة القضاة ختامًا محبطًا، إذ يضيق شعب إسرائيل بحكم الله عليهم ويطلبون أن يملك عليهم ملك. يوافق الله، في رحمته على طلبهم، ويُنصب شاول ملكًا. ولكن المملكة تخفق في اجتذاب الشعب ليرجع مرة أخرى إلى الله، وتسود الأنانية والدسائس وعبادة الأوثان. انقسمت المملكة، وأخيرًا، سقطت فريسة للفاتحين الغزاة، وسيق الشعب أسيرًا للسبي.
ه. تضرعات الأنبياء. حاجج الله شعبه كي يعودوا إليه، ولكن دون جدوى (راجع بصفة خاصة ما جاء في 2ملوك 17: 7-12). هكذا نقرأ: «وَأَشْهَدَ ٱلرَّبُّ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَعَلَى يَهُوذَا عَنْ يَدِ جَمِيعِ ٱلْأَنْبِيَاءِ وَكُلِّ رَاءٍ قَائِلًا: «ٱرْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ ٱلرَّدِيئَةِ...فَلَمْ يَسْمَعُوا بَلْ صَلَّبُوا أَقْفِيَتَهُمْ كَأَقْفِيَةِ آبَائِهِمِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِٱلرَّبِّ إِلَهِهِم». إن تاريخ شعب إسرائيل سجل حافل بالعناد والإخفاق المستمريْن بل إن آخر كلمات العهد القديم كانت «أضربُ الأَرضَ بِلَعْنٍ». كانت الأمة ما تزال بعيدة عن الله في زمن ملاخي، آخر كُتّاب نبوات العهد القديم.
3. استرداد الشركة. يعرض العهد الجديد التدخل الإلهي المذهل. هنا نجد أن الله القدير يدخل التاريخ البشري في صورة إنسان ليعيد البشر إلى قلبه المحب، إذ يتجسد ابنه الغالي المحبوب في جسد إنسان، ويُعرف لمعاصريه بأنه أحد أنبياء الله ومعلم لا مثيل لمهارته، فيحمل خطايا البشر على كتفيه، ذلك الذي لم يعرف خطية (ادرس رومية 8: 3، 4). وهكذا، استطاع ابن الله استرداد الخاطيء لعلاقة مع الله إذ أطاع الطاعة الكاملة، وقدّم نفسه ذبيحة كفارية وصار الآن شفيعًا على يمين الله. بالمسيح استُرِدت الشركة بين الله والإنسان إلى الأبد. العصيان أخرج الإنسان من الجنة، وبالمسيح وطاعته الكاملة اُسترد «الفردوس المفقود».
ب. الدِراما: الله والشّيطان
1. يتضح هذا المفهوم في الكلمات: «وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ ٱلْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَه» (تكوين 3: 15). تُعرِّفنا هذه الآية:
أ. أن الصراع الذي تسبّب عنه سقوط الإنسان سيحتدم بين قوتيْن متضادتيْن، الشيطان الذي أغوى الإنسان أولًا، و«نسل المرأة». وعليه سيقوم صراع مستمر بين قوى الشيطان وقوى ابن الله.
ب. أنه سيسمح للشيطان أثناء الحرب أن «يسحق عقب» قوى البر والله.
ج. أن النتيجة النهائية ستكون نصرة للمسيح ونسل المرأة (غلاطية 3: 16) حينما تُسحق رأس الحية في النهاية.
2. مِن بداية الكلمة المقدسة إلى نهايتها نستطيع أن نتتبع آثار الحية إذ يسعى إلى مضايقة نسل الحية أو قتله أو تشويهه أو القضاء عليه، وهو يشن هجومه على أربع مراحل:
أ. يحاول أولًا إبادة الجنس البشري لأنه يعلم أن الجنس البشري هو السبيل لقدوم النسل.
(1) حينما أيقن أن هابيل هو مَن سيأتي منه النسل، أغوى قايين ليقتل أخاه ولكن الله يتدخل ويقيم شيثًا «نَسْلًا آخَرَ عِوَضًا عَنْ هَابِيل» (تكوين 4: 25).
(2) عندما فشل مخطط الشيطان، نجده يوقع الجنس البشري بأكمله في مستنقع خطية كبير لدرجة أن الخالق يفتقد الأرض وينزل دينونة الطوفان. ولكنه في رحمته، ولكي يحفظ النسل، نجده يُعِد تدخلًا ثانيًا، فيعفو عن بقيةٍ متمثلة في نوح وعائلته (تكوين 6-9).
(3) يبذر الشيطان بذور الكبرياء في قلب الجنس البشري، ويتشتت البشر ويبدو أن النسل معرض لفقدان هويته. ولكن الله يتدخل من جديد ويختار شعبًا، إسرائيل، ومنه سيستمر مسار النسل (تكوين 11).
ب. والآن يشن الشيطان هجماته ضد بني إسرائيل. فيما يلي بعض سمات هجماته، وفي كل مرة يتدخل الله مدافعًا عن النسل.
(1) سارة، زوجة إبراهيم، عاقر ويبدو أن مسار النسل سيتوقف، ولكن يولد إسحاق بمعجزة (تكوين 21: 1-8).
(2) عيسو، الابن الأكبر لإسحاق، يعتنق العالم، ويبدو أن النسل سيفسد، ولكن الله يختار يعقوب ليكون وريث الموعد.
(3) شخصية يعقوب بصفته «المتعقب لأخيه» تهدد فساد مسار النسل، ولكنه يتغير ويصبح إسرائيل «أمير الله» ويستمر النسل (ادرس تكوين 27-32).
(4) وتتابع المسيرة وسط العبودية في مصر، والرحلة في البرية، وحقبة القضاة، وتقسيم المملكة، والسبي أكثر من مرة. وفي كل مرة يبدو أن الشيطان وكأنه يوشك أن ينتصر، ويسحق نسل المرأة بالفعل، نجد أن الله يتدخل دائمًا. ورغم نذير شؤم كلمات العهد القديم الأخيرة، فإن الله كان يوشك أن يبدأ خطة تدخله العليا بقدوم المُخلِّص.
3. إذ يوقن إبليس أن يسوع المسيح هو النسل وليس غيره، فإنه لا يألو جهدًا في محاولة لإبادته أو إفساده.
أ. تتكشف محاولات إبليس بدءًا من أحداث طفولة الرب يسوع مثل الحانة المُزدحمة، وقتل أطفال بيت لحم، إلى آخره. ولكن الله الآب يحمي دائمًا ابنه (متى 1، 2).
ب. كان إبليس وراء التجارب في البرية وإن كانت قد باءت كلها بالفشل (متى 4).
ج. لا يستطيع إبليس قتل ابن الله على بحيرة الجليل فيؤلب أشخاصًا لينكروا المسيح أو يخونوه. ولكن ما مِن محاولة شيطانة تستطيع أن تدفع المسيح ليحيد عن مساره أو تتسبب في موته قبل موعده.
د. في الجلجثة يبدو أن النسل سيهلك أخيرًا، ولكن الله يتدخل مرة أخرى: فالمسيح يُقام من الموت ويصعد إلى موضع السلطان بعيدًا عن متناول إبليس.
4. ومنذ ذلك الحين، فإن إبليس يهاجم الآن جسد المسيح على الأرض؛ الكنيسة، عالمًا بأن المسيح الرأس جالس على يمين الله. إن تاريخ الكنيسة تاريخ طويل وهو سِجل حافل مشوق لمحاولات إبليس وتدخلات الله. وسيأتي اليوم الذي تتحقق فيه مواعيد الله، ويسحق ابنُ الله المنتصر، نسلُ المرأة، رأسَ الحية، ويُكتَب فصل النهاية في هذه الدراما المهيبة بانتصاره (رؤيا 20: 7-10).
ج. الدّراما والعقِيدة
1. بينما تتكشف أحداث الدراما الكتابية، يُسلَط الضوء على العقائد المحورية في الكلمة. وهذه التعاليم تأتي إما متداخلة مع الأحداث نفسها، أو مُعاشة في الأشخاص وأفعالهم، أو معلنة إعلانًا واضحًا كجزء من المشورة الإلهية.
2. تتجلى أهمية العقيدة الكتابية: إما على نحو إيجابي، مثل تعاليم الرسول بولس لتيموثاوس: «...ٱعْكُفْ عَلَى ٱلْقِرَاءَةِ وَٱلْوَعْظِ وَٱلتَّعْلِيمِ...لَاحِظْ نَفْسَكَ وَٱلتَّعْلِيم» (1تيموثاوس 4: 13، 16)، أو على نحو سلبي، مثل التصميم الواضح بأنه لا شركة بين المؤمن وأصحاب العقيدة الفاسدة (ادرس 2 يوحنا 7-11).