السُلوك في النور
ترجمة أشرف بشاي
ثلاث نوعيّات من البشر
حينما يكون لرجل ثري ابنان فإن الأب الصالح يُحبُّ كلًا من ابنيه بنفس القدر الذي يُحب به الابن الآخر. والآب الصالح يعمل من أجل تحقيق مصلحة كلٍ من ابنيْه بنفس القدر. في سبيل ذلك قد يستأجر الأب أستاذًا لكي يُعلِّم الابنيْن ويدرّبهما ويعتني بهما. يرغب الأب في تدريب ولديْه على مهام مُعيّنة.
وفي البيت المجاور تعيش أسرة ثانية رزقهما الله بأبناء في نفس عُمر هذيْن الولديْن. اعتاد الأب هناك على تدليل أبنائه ولم يستأجر معلِّمًا لهم. لم يرغب هؤلاء الأبناء في تعلُّم شيء ما، بل لقد اعتادوا على السخرية مما يتعلّمه أبناء الأسرة الأولى. لذا حرص أبناء الأسرة الأولى على التقليل من الوقت الذي يقضونه مع أبناء جيرانهم.
ولقد اختلف موقف الابنان من معلِّمهما؛ كان الابن الأكبر واسمه مازن ويُكنى بـ «جسداني» لا يُحب المعلّم لأنه كان يريد دائمًا أن يعيش حياتَه بطريقته الخاصّة ولم تكن له شهيّة تعلُّم الدروس. كان كثير الشجار والدخول في المشكلات مع الآخرين، بسبب الحسد الذي كان يملأ قلبه، كذلك انضم جسداني إلى «العصابات» وكان يستمتع بصحبة أبناء الجيران أكثر من صُحبة عائلته.
كان الأستاذ يحاول باستمرار أن يبقى هذا الابن بعيدًا عن المشكلات لكن الابن كان يلجأ لأستاذه وقت الاحتياج فقط. لم يكن مازن يهتم إلا بنفسه فقط، لذا فبمجرّد التخلُّص من المشكلة كان يبحث عن رفقاء السوء حيت يجد مسرته معهم.
أما الابن الثاني؛ واسمه طاهر وكُنيته «روحاني»، فقد كان يُحب أباه جدًا ويتمنّى أن يُسرَّ قلبه وأن يسعد بالشركة معه. كان يدرك أن أباه يُعدّه لشغل مركز مرموق، وأن أباه قد صنع معه في الماضي أمورًا عظيمة من المهم أن يتذكّرها دائمًا. كان يوقن أن أباه يحمل في قلبه رصيدًا كبيرًا جدًا من الصلاح والمحبّة. عزم روحاني في قلبه على تنفيذ كل ما يأمره به أستاذه لكي يرضي أباه، كما اهتم جدًا بتعلُّم كل ما أراده الآب أن يعرفه. كان يعرف أنه من خلال التعلُّم سيكون قادرًا على مساعدة أبيه قريبًا في المهام والمسؤوليات التي تنتظره.
لم يكن روحاني ابنًا كاملًا؛ كان يحتاج من آن إلى آخر إلى التقويم والتهذيب، لكن اتجاهاته كانت مُوجَّهة بشكل صحيح، فكانت إرادته تتجه دائمًا إلى فعل ما هو صواب.
لدى الله ثلاث نوعيّات من البشر (١كورنثوس ٢: ٩-٣: ٤)
الإنسان الطبيعي: يظهر في أبناء الأسرة الثانية الذين حُرموا من فرصة التغيير. إنه الإنسان غير المُجدَّد الوارد ذكره في ١كورنثوس ٢: ١٤. بالنسبة للإنسان الطبيعي، كل الرُوحيّات حماقة. لا يُحاول الرُوح القُدُس تعليم هذا الإنسان أي من الأمور الرائعة التي أعدّها الله له (محبة الله – آية ٩).
أما النوعان الثاني والثالث فهما النوعان اللذان يظهران في المؤمنين بالمَسِيح؛ فالمؤمن الجسدي هو المؤمن المتمرد ذو القلب القاسي. تصف الآيات الواردة في ١كورنثوس ٣: ١-٤ هذه النوعيّة من المؤمنين، والكلمة «جسداني» تصف المؤمن الذي يرغب في أن يعيش المَسِيحيّة بقُوّته الذاتية. تصف ١كورنثوس ٣: ١ هذا المؤمن بأنه «طفل» في المَسِيح إذ لم ينضج هذا الإنسان كما كان مُقدَّرًا له. وتصفه الآية الثانية بأنه غير قادر على التعليم، ثم في الآية الثالثة نراه معتمدًا على قواه الذاتيّة! والآية الرابعة تُكلّمنا عن مظاهر الحسد والانشقاق والمذمّة. إنه بالإجمال صانع مشكلات!
أما المؤمن الرُوحيّ فيمثله الابن الثاني. إنه مطيع لإرادة أبيه، وهو قادر على استيعاب الحقائق الرُوحيّة الموهوبة له من الله. إنه ينتبه جيدًا لإرشاد الرُوح القُدُس، كما أن ثمر الرُوح القُدُس ظاهر وواضح في حياته (غلاطية ٥: ٢٢-٢٣).
السُلوك المَسِيحي
تُشبَّه الحياة المَسِيحيّة بالسير أو بالسُلوك. إن طاعة الابن تظهر في فِعل مشيئة الآب وتتميمها.
وكما أن الأب الأرضي لا يُرسل ابنه الصغير في مهمّة بمفرده، كذلك لا يفعل الآب السماوي. قبل صعود المَسِيح إلى السماء قال لتلاميذه: «وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَد» (يُوحنّا ١٤: ١٦).
إن كلمة «مُعَزِّيًا آخَرَ» في اللغة الأصليّة للعهد الجديد (اليونانيّة) تحمل الكثير من المعاني. فكلمة آخر يمكن أن تُترجم «آخر نظيري»، «آخر من نفس النوع»، «آخر بنفس سِمات (شخصيّة يَسُوع)». أما كلمة «معزيًا» فهي باليُونانيّة «باراكليت»، وتعني «شخصًا يتم استدعاؤه للوقوف بجوارنا لكي يُعين». لذا فيَسُوع يقصد حرفيًا: «إن الله سوف يرسل لكم شخصًا نظيري لكي يقف بجواركم كمُعين إلى الأبد». ثم يستطرد يَسُوع واعدًا في الآية اللاحقة قائلًا: «إن الرُوح القُدُس سوف لا يكون معكم فقط بل أيضًا سيسكن فيكم». إن الرُوح القُدُس يلعب دورًا أساسيًا في حياة المَسِيحي الروحاني. إن سُكنى الرُوح القُدُس في جميع المؤمنين لا يعني أن جميع المؤمنين ممتلئون من الرُوح القُدُس (رُوميَة ٨: ٩).
إرادة الله
يقول الكتاب «وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوح» (أفسس ٥: ١٨). إن زمن الفعل في اللغة اليُونانيّة يمكن أن يفيد: «امتلئوا باستمرار (ليتحكّم فيكم) الرُوح القدس». إن مؤمنين كثيرين غافلون عن هذا الحق لذا لا يُطيعون هذا الأمر الإلهي. مؤمنون كثيرون يحاولون السُلوك بقُوّتهم وحكمتهم. إن سعادة المؤمن هو في الامتلاء بالرُوح القدس.
كيف أمتلئ من الرُوح القدس؟
كتب يُوحنّا البشير: «وَفِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ الْعَظِيمِ مِنَ الْعِيدِ وَقَفَ يَسُوع وَنَادَى قِائِلاً: «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ» .... قَالَ هذَا عَنِ الرُوح الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُوح القُدُس لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوع لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْد» (يُوحنّا ٧: ٣٧، ٣٩). هل أنت عطشان:
- أن يقودك الرُوح القُدُس وأن يُعلِّمك؟ (يُوحنّا ١٦: ١٣-١٤).
- لقُوّة الرُوح القُدُس في حياتك؟ (٢تيموثاوس ١: ٧).
- أن تتشبّه بالمَسِيح بقُوّة الرُوح القُدس؟ (٢كورنثوس ٣: ١٨).
- للرُوح القُدُس لكي يُنتج فيك ثمره؟ (غلاطية ٥: ٢٢-٢٣).
- الوعي بحُضور المَسِيح في حياتك؟ (أفسس ٣: ١٧-١٩).
- الانتصار على التجربة؟ (١كورنثوس ١٥: ٥٧).
فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ
هذا هو التصرُّف الذي يجب أن يقوم به المؤمن حيال وعد المَسِيح. إنه يُدرك أنه عاجز عن أن يحيا حياته الرُوحيّة بالطريقة التي تُسر الله. في ٢كورنثوس ٨: ٥ يقول الكتاب إن بعض المؤمنين «أعطوا أنفسهم لله»، وفي رُوميَة ٦: ١٥ يقول لنا «قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ لله»، وفي رُوميَة ١٢: ١ أن «تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقدّسةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ الله». أن تقدَّم نفسك لله مرّة واحدة وبشكل نهائي (aorist tense in Greek). لا حاجة لك لكي تعيد هذا التصرُّف مرّات ومرّات. إن تقديم نفسك لله معناه «أَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ» (١كورنثوس ٦: ١٩). نحن نعيد لله ممتلكاته التي هي ملكه من الأصل.
هذا التصرّف المبدئي يجب أن يتبعه توجُّه متواصل للتكريس، أما ما عدا هذا التكريس فهو تمرُّد على الله يستلزم التدريب والتأديب.
قدِّم ذاتك بالتمام
هذا ليس معناه أن تُقدِّم لله الجزء الصعب من حياتك ثم تحتفظ لنفسك بالجزء الطيّب. هذا التصرُّف يذكرّنا بالرجل الذي أراد تصليح ساعة الحائط التي لا تعمل، فحمل إلى مركز الصيانة عقاربَ الساعة المتوقّفة ظنًا منه أن العيب في هذه الأجزاء فقط!
آمن بيَسُوع
قال يَسُوع: «إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب». علينا أن نؤمن أن يَسُوع هو من يملك السلطان أن يملأنا برُوح الله تمامًا كما نؤمن أن يَسُوع هو مُخلّصنا. يجب أن نؤمن أن يَسُوع لديه الرغبة في أن يفعل ما وعدنا به، فيملأنا ويقودنا من خلال روحه. إننا نحصل على كل البركات بالإيمان (يَعقُوب ١: ٦).
هل سبق لك أن كرّست ذاتك للمسيح؟ إنه يريد أن يسيطر على جسدك ونفسك وروحك بالتمام، فيستخدمك لكي يُعلن عن ذاته للآخرين من خلالك. هل تسلم ذاتك له الآن؟ ـــــــــ تاريخ اليوم ـــــــــــــ.
أسئلة
- ما الذي سيحدث لو لم أكرّس نفسي بالتمام لله اليوم؟
الإجابة: سوف تستكمل حياتك كـ «مؤمن تعيس»، طفل في الإيمان، مؤمن جسداني كما تصفه ١كورنثوس ٣: ١-٤، قادر فقط على تناول «لبن الكلمة لا الطعام القوي». سوف تكون كالبذار التي سقطت بين الشوك في مَثَل الزارع: «وَهؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ زُرِعُوا بَيْنَ الشَّوْكِ: هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ، وَهُمُومُ هذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى وَشَهَوَاتُ سَائِرِ الأَشْيَاءِ تَدْخُلُ وَتَخْنُقُ الْكَلِمَةَ فَتَصِيرُ بِلاَ ثَمَر» (مرقس ٤: ١٨-١٩). إن الاختيار لك: هل تريد أن تكون مؤمن جسداني أم مؤمن روحاني؟
- هل سيرغمني الله على أن أسلّم نفسه إليه وهل سيملأني بالرُوح القُدُس رغمًا عن إرادتي؟
لا. هذه الاختيارات حرّة بالتمام. لقد قبلتَ الرب يَسُوع كمخلِّص لحياتك وقبلتَ فيه الحياة الأبديّة. الآن يجب عليك أن تقرِّر طواعيةً إن كنت تريد أن تمتلئ من الرُوح القُدُس وأن تستمتع بالحياة الفائضة التي وعدك بها المَسِيح.
- هل يمتلئ المؤمن من الرُوح القُدُس مرّة واحدة فقط؟
إن الامتلاء من الرُوح القُدُس (والخُضوع له) هو عمل دائم للرُوح القُدُس لحظة بلحظة، لكن يجب أن يكون هناك لحظة مُعينّة لبدء هذا الملء. هذا هو السبب الذي يقف وراء الطلب الإلهي: «تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ لله». أنت تظل ممتلئًا ما دمتَ مستمرًا في طاعة أوامر الرُوح ووصاياه، وعلاج الشركة المكسورة يتم بالاعتراف أننا قد كسرنا وصايا الله (١يُوحنّا ١: ٩).
- لماذا يتعيّن عليّ الاعتماد على الرُوح القدس؟
لأن خدمة الرُوح القُدُس لنا هي التي تقودنا للنمو في الحياة المَسِيحيّة. لله خطة ومشيئة في حياة كل منّا، ومن خلال إرشاد الرُوح القُدُس وتعليمه فقط يمكن للمؤمن أن يجد هذه الخطة، وأن يتبعها، وأن يُحقِّقها.
فكِّر في تعاسة الأب الأرضي إذا علم أن طفله الرضيع لا ينمو، أو أنه لن يمشي أبدًا بل سيضطر الأب لحَمْله دائمًا! فكر في ألم الأب إذا علم أن ابنه لن يتمكّن من إطعام نفسه بل سيكون محتاجًا دائمًا لمن يطعمه، أو أن ابنه لن يكون قادرًا أبدًا على العمل! ماذا سيكون شعور الوالد إذا عرف أن ابنه سيكون عاجزًا دائمًا عن فهم كلمات أبيه ولن يكون قادرًا على مشاركة الحديث معه!
هذا هو بالضبط ما يحدث مع المَسِيحيين الجسدانيين غير المكرّسين لله. لا يستطيع المؤمن الجسدي أن يسير مع الله، ولا أن يتغذّى بكلمة الله ولا أن يفهمها. لا يمكنه أن يعمل مع الله ولا أن يصلي إليه. والشيء المؤسف أن هذا العجز ناتج عن اختيار هذا المؤمن لعدم التكريس.
- كيف يمكنني أن أطمئن أن الله سوف لا يطلب مني أشياء صعبة كأن أكون مُرسَلًا إلى بلاد بعيدة مثلًا؟
إذا طلب الله منك أمرًا كهذا فإن هذه المشيئة الإلهية ستكون الأفضل لك على الإطلاق. لن يطلب الله منك شيئًا أبدًا ما لم يمنحك القوة والحكمة لتنفيذ ما يطلبه منك.
- كيف يمكنني أن أتأكّد أنني قد امتلأت من الرُوح القُدُس، هل سأختبر تجربة شُعوريّة مُعيّنة؟
من المُحتمل جدًا أن يحدث هذا الأمر لا سيّما في المرّة الأولى التي ستسلّم فيها قيادة حياتك لله. تختلف المشاعر من شخص إلى آخر، لكن جميعنا لدينا هذه المشاعر التي تظهر في مناسبات مختلفة من حياتنا؛ كالخطبة، والزواج، والتخرُّج في الجامعة، والحصول على اختبار الخلاص. لكن التعبير عن مشاعرنا يختلف من شخص إلى آخر. لذا لا تحاول تقليد أو تكرار تجارب الآخرين. إن العلامة الحقيقة لامتلائك من الرُوح القُدُس هي ظهور ثمر الرُوح القُدُس فيك: المحبة والفرح والسلام، وطول الأناة واللطف والصلاح، والإيمان والوداعة وضبط النفس (غلاطية ٥: ٢٢-٢٣).
- هل يجب عليّ أن أعرف تاريخ المرّة الأولى التي امتلأتُ فيها من الرُوح القدس؟
لا. كثير من المؤمنين لا يعرفون تاريخًا مُحدَّدًا لذلك الملء. المهم هو أن تكون متيقنًا أنك قد امتلأت من الرُوح القدس. عندها، ستكون قادرًا على مواجهة الشُكوك التي يهمس بها الشيطان في أذنك، بهدف تشويش ذهنك.
- هل يجب أن أكرّس نفسي لله بعد حصولي على الخلاص بوقت طويل؟
لا شك أن مؤمنين كثيرين قد كرّسوا حياتهم لله في نفس الوقت الذي قبلوا فيه الولادة الثانية. إن الشيء المهم ليس هو التوقيت، بل اليقين بأنك قد اتخذت هذه الخطوة بالفعل فامتلأت من الرُوح القدس. كن متيقنًا، لا تخدع نفسك فتفقد بركة الملء والحياة المبهجة الفائضة التي وعد يَسُوع بها.
السُلوك في الملء بالروح
لتكن ابنًا مطيعًا لله. ما أن يسير الولد بجوار أستاذه ربما يختار عن غير قصد ألا يلتصق به خلال المسير. ربّما يتشوق الابن إلى شيء مثير فيصير نافذ الصبر متململ كثير الحركة، لكن الأستاذ الحكيم لا يُعلّم الابن كل شيء في وقت واحد بل شيئًا واحدًا فقط كل مرّة. إنه يعرف الهدف مسبقًا ويعرف كيفية الوصول إليه. وكما أن كل ابن يختلف عن الآخر، لذا فإن المُعلّم يتعامل بطريقة تختلف من شخص إلى آخر لتسديد الاحتياجات المتباينة لدي جميع الأبناء. وحين يفعل المعلم ذلك يُؤهِّل كل ابن للمركز أو للخدمة التي يُريدها له في الكرم الإلهي.
ليس كل واحد نجارًا، وليس كل واحد فلاحًا، وليس الجميع أطباء. إن تدريب الرُوح القُدُس يختلف من شخص إلى آخر كُلٍّ حسب معرفته، وبعض الأعمال تتطلّب تدريبات أكثر من الأعمال الأخرى.
هب أن الأب يريد من الأستاذ أن يُدرّب ابنه ليكون مُؤهلًا لوظيفة ما. إنه يعطي الأستاذ بعض الكتب والكتيبات والمطبوعات مخبرًا إياه عن الأصول المملوكة والهيئات والسياسات والرؤيا والأهداف وخطة العمل .. الخ. وحالما يُخبر الأستاذ الابن بالقواعد والبرامج يجب على الابن أن يقبل ويطيع، وإلا فإن برنامج التأهيل سوف يتوقّف. عادة ما تُصبح العلاقة بين الأستاذ والطالب غير مُسرّة، وربما يشعر الطالب أن الأستاذ غير واقعي في طلباته أو «موضة قديمة» في طرق تدريسه!
كلما سرت رحلة إيمانك مع الرُوح القُدُس كلما صنع الرُوح القُدُس هذا التوازن بين الصلاة والكلمة المُقدّسة في حياتك الرُوحيّة. سيقودك الرُوح في طريق يمكن أن نُسمّيه «مشيئة الله»، وسوف يُشير إلى الأجزاء الكتابيّة التي تحتاجها في حياتك. ربّما هناك أشياء سوف لا تريد أن تفعلها، لذا سيقودك إلى التوقُّف لتكرار التدريب حتى تتعلّم الدرس. ربما تريد أن تتخطّى بعض الدروس حتى تسرع من وتيرة التدريب، لكن الأستاذ هو من له الحق في وضع نموذج التعليم الخاص بك. وقد يختلف هذا النموذج عن النماذج التي يضعها الأستاذ لطلاب آخرين. في خلال ذلك لن يكون الشيطان ساكتًا، بل سيحاول جاهدًا أن يبعدك عن طريق الشركة مع الأستاذ.
الطاعة سبيل الشركة
كلما كشف الرُوح القُدُس من كنوز كلمة الله المدخرة لك كلما توجّب عليك قبول هذه الكنوز. فإذا لم تُطِع الأستاذ كان ذلك العصيان سببًا لتوقُّف تقدُّمك ونموك الرُوحيّ ولانقطاع الشركة بينك وبين الله. قال يَسُوع: «إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَايَايَ تَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي، كَمَا أَنِّي أَنَا قَدْ حَفِظْتُ وَصَايَا أَبِي وَأَثْبُتُ فِي مَحَبَّتِه» (يُوحنّا ١٥: ١٠)، وأيضًا: «إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ» (يُوحنّا ١٣: ١٧). إن الطاعة هي مفتاح الشركة مع الله، والطاعة تفتح الباب للفرح السماوي.
في الحقيقة، الدعوة للطاعة هي دعوة مُوجهّة إلى القلب أو إلى الإرادة. هذا هو الفكر في أفسس ٦:٦ «عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْب». هذا هو ما قصده المَسِيح أيضًا حين قال: «وَلكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ» (مرقس ١٤: ٣٦). إن قدرتنا على إطاعة مشيئة الله تأتي إلينا من الله. لا تظن أنك يجب أن تطيع الله حتى تضيف شيئًا ما إلى خلاصك أو أن طاعتك لله تجعل هذا الخلاص خلاصًا أفضل! هذا هو الناموس فلا تعود إليه بقلبك: «أَهكَذَا أَنْتُمْ أَغْبِيَاءُ! أَبَعْدَمَا ابْتَدَأْتُمْ بِالرُوح تُكَمَّلُونَ الآنَ بِالْجَسَدِ (بقدراتكم البشرية الذاتية)؟».
ما الذي يحدث حال عصيانك للرُوح القدس؟
بعصيانك للرُوح القُدُس أنت تكسر أحد شرطيْن أساسييْن للامتلاء. يقول الكتاب: «لاَ تُطْفِئُوا الرُّوح» (١تسالونيكي ٥: ١٩). أن تطفئ الرُوح معناه أن تمنعوا الرُوح من عمله، أو أن تجعله غير فعالًا. راجع استخدام هذا الفعل في أفسس ٦: ١٦ وعِبرانيّين ١١: ٣٤). حينما تقول «لا» للرُوح القُدُس فأنت تمنع خدمته أو تُبطل فاعلية هذه الخدمة. العصيان يكسر الشركة بينك وبين الله إذ يضع الحواجز بينكما.
«وَلاَ تُحْزِنُوا رُوح اللهِ الْقُدُّوس» (أفسس ٤: ٣٠). يحاول الشيطان أن يُجرّب المؤمنين لارتكاب الشرور. عندما تقول «نعم» للشيطان وللخطية، أنت تحزن رُوح الله. بإطفاء الرُوح وإحزانه تنكسر شركتك مع الله وعندها لا يعود الرُوح القُدُس مسيطرًا عليك. عندما تقول «لا» للرُوح القُدُس فتعصاه (١تسالونيكي ٥: ١٩)، وتقول «نعم» للشيطان وللخطية (أفسس ٤: ٣٠) تنكسر الشركة مع الله وتفقد فرح الحياة معه.
ويمكن لهذه الشركة المكسورة أن تعود إلى حالتها الطبيعيّة متى مارست ما هو مكتوب في ١يُوحنّا ١: ٩. تذكّر أن الشركة هي العلاقة العائلية؛ فأنت بإيمانك بالمَسِيح صرتَ عضوًا في عائلة الله (يُوحنّا ١: ١-١٣؛ غلاطية ٤: ٥). لذا فعندما تُخطئ تصبح ابنًا عاصيًا. لا تفقد امتياز الشركة بسبب العصيان.
ما الذي يُقدّمه الله؟
«وَإِنَّمَا أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُوح (بإرشاده وقوّته) فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ (رغبة) الْجَسَد» (غلاطية ٥: ١٦). إن الحياة الممتلئة بالرُوح ليست مجرّد «محطة» نصل إليها، ولا هي سراب نسعى وراءه. إنها ليست «عش حياتك ببساطة»، بل بالأحرى هي تمسُّك بالله وبطُرقه ورؤاه لعالمنا. ففي سبيل النمو يجب على المؤمن أن يُدرِّب إرادته الحرّة، وأن يتخذ القرارات، وأن يميّز بين الخير والشر، وأن يقول «لا» للتجربة التي تأتي عليه، وأن يتخذ كل التدابير للنهوض بحياته الرُوحيّة ليصير أكثر شبهًا بالمَسِيح. صحيح إن الله يدعونا لما هو أبعد بكثير من قدراتنا، لكن الأمر أشبه بالمهندس الذي يُحاول أن يجر قطارًا. قد يكون غرضُه طيبًا، لكنه عاجز بالتمام عن تحقيق غايته. لكن بمجرّد أن يصعد المهندس إلى قمرة القيادة ويشغّل المُحرك، يمكن له تحريك القطار وقيادته إلى الوجهة المطلوبة.
يقول الكتاب: «وَلِهذَا عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً، وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفًا، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْرًا، وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى، وَفِي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً» (٢بُطرس ١: ٥-٧). هناك فقرة كتابية جميلة ومشابهة في فيلبي ٤: ٨.
إن محاولة اتّباع هذه الفضائل بقُوّتك الذاتية تُشبه محاولة المهندس لكي يجُر القطار بقُوّته الجسديّة. لكن بمجرد أن تقول «نعم» للرُوح القُدُس تجده حاضر بقُوتّه الإلهية الرائعة. إن الأمر يشبه تشغيل القطار بمفتاح قمرة القيادة.
القاعدة هي: مهما طلب الله منك أن تفعله، سيُعطيك الله القدرة على إنجازه.
إن الحياة الممتلئة بالرُوح القُدُس هي الحياة النامية باستمرار، فإذا لم تكن ناميًا باستمرار فأنت مريضٌ رُوحيًا. هناك طريقة واحدة فقط للتغلُّب على الرغبات الجسديّة الشريرة (الطبيعة العتيقة). هذه الطريقة كتبها لنا الوحي في غلاطية ٥: ١٦.
أنعش ذاكرتك
تأمرنا أفسس ٥: ١٨ بأن نمتلئ من الرُوح القُدُس (فيقودنا ويرشدنا)، فإذا كنت تريد حقًا أن تحصل على الملء بالروح، إذا كنتَ عطشانًا إلى قُوة الرُوح القُدُس في حياتك فتعال إلى المَسِيح. ثق فيه. صدّق أنه سيملأ حياتك بقُوة رُوحه القدوس، عندئذ يمكنك أن تسلك بقُوة الرُوح القُدُس وتحت إرشاده كما وعد الكتاب في غلاطيّة ٥: ١٦. كلما كانت حياتك منضبطة تحت سيطرته ومكرّسة لخدمة الفادي كلما استطعتَ الاستمرار في السُلوك بالروح. هناك شيئان يمكنهما أن يمنعاك من الاستمرار: إذا قلت «لا» للرُوح القُدُس حينما يريد منك الطاعة، أو إذا قلت «نعم» للتجارب الشيطانية التي تهدف إلى إسقاطك في الخطية لتبعدك عن الله.
آيات للحفظ غيبًا
- رُوميَة ٦: ١٣
- أفسس ٥: ١٨
- يُوحنّا ١٥: ١٠
بركات إضافية
- يُوحنّا ٧: ٣٧- ٣٩
- ١تسالونيكي ٥: ١٩
- أفسس ٤: ٣٠
- يُوحنّا ١٣: ١٧
- ١كورنثوس ٢: ١٢
أسئلة الدرس
- تعلّمنا الآيات الواردة في يُوحنّا ١٦: ١٣-١٤ أن الرُوح القُدُس لا يتحدّث نيابة عن المَسِيح بل يُمجِّد المَسِيح فقط. صواب - خطأ
- ما قصد الله لحياتك: أن يجعلك فرحًا أم تعيسًا؟ ــــــــــــ. هل تؤمن أن الله أكثر منك حكمة؟ ــــــــــــــــــ (مزمور ١٨: ٣٠) هل تعتقد أن الله يريد استغلالك لتقوم بأمورٍ لا تريد القيام بها؟ ـــــــــــــــ (١يُوحنّا ٥: ٣). لقد قبلتَ المَسِيح مخلِّصًا لحياتك، فهل قبلتَه ربًا وسيدًا؟ إن كانت إجابتك ب «لا» فهل ستفعل ذلك الآن؟ ــــــــــــ (اكتب في كتابك المُقدّس ملاحظةً بتاريخ اليوم حتى لا تنسى؛ فالله سيتذكّر ذلك التاريخ دائمًا).
- كم عدد الفصول الكتابيّة التي قرأتها خلال هذا الأسبوع؟ ـــــــــــــ إن حفظ آيات الكِتاب المُقدّس في قلبك سوف يصنع فارقًا عظيمًا في حياتك الرُوحيّة. لا تحاول أن تحفظ بسرعة: خذ وقتك. احفظ آيتيْن أو ثلاث آيات أسبوعيًا. راجع باستمرار ما حفظت.
- هل تتذكّر:
- أفسس ٥: ١٨
- رُوميَة ٦: ١٣
- يُوحنّا ١٥: ١٠
بركات إضافية
- يُوحنّا ١٣: ١٧
- يُوحنّا ٧: ٣٧-٣٩
- ١كورنثوس ٢: ١٢
- أفسس ٤: ٣٠
- ١تسالونيكي ٥: ١٩