چون ستوت
ترجمة أشرف بشاي
يؤمن الذهن المسيحي بأن الله هو الحق السامي والنهائي الذي لا يمكن إدراكه. إن مركزية الله باعتباره الخالق والحافظ والرب والمُخلِّص والآب والقاضي هي أمرٌ أساسي في العقل المسيحي. إن الذهن المسيحي هو ذهن يعرف الله. من وجهة نظر الكتاب المُقدّس فإن الصلاح مصدره إلهي ابتداءً، لأن الوصية الأولى والعُظمى هي أن تُحب الرب إلهك بكل كيانك.
هذا يشرح لنا معنى الحكمة الحقيقيّة في الكتاب المُقدّس. إن الحكمة أحد أهم الموضوعات في الكتاب المُقدّس، فبالإضافة إلى أسفار الناموس والأنبياء في العهد القديم هناك أيضًا الكتب الخمسة للحكمة: أيوب، والمزامير، والأمثال، والجامعة، ونشيد الأناشيد. هذه الأسفار الخمسة ترتبط معًا من حيث «الموضوع». إنها تخاطبنا فيما معنى أن يكون الإنسانُ إنسانًا؟ وكيف يمكن للألم والشر والظلم والحب أن يتوافق مع الإنسانية. هذا هو موضوع أسفار الحكمة.
سفر الجامعة
يُعرف عن هذا السفر طبيعته المتشائمة. تنتشر فيه عبر أجزاء ترجمتنا العربية عبارة: «بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ الْكُلُّ بَاطِل»، بما يعنى أن كل شيء لا معنى له (١: ٢).
إن كلمتّي «معنى واللامعنى» تضربان على أوتار قلوب البشر الذين يتوقون لمعرفة المعنى من حياتهم لا سيما في هذه الأيام. على سبيل المثال كان ڤيكتور فرانكل الذي نجا كطفل من معسكر أشوڤيتش ثم عُيّن فيما بعد أستاذًا للطب النفسي بجامعة ڤينا، كان فرانكل مقتنعًا أن الإنسان لديه شعور أساسي يدفعه «للبحث عن المعنى». كما كتب يقول إن جوع الإنسان للبحث عن معنى لحياته هو «قوة أساسية دافعة» للإنسان.[1]
يُبين سفر الجامعة كيف أن مزاج الإنسان وعواطفه تتأرجح، وبشكل خاص يؤكِّد، على عبثية حياة الإنسان التي تتأثر بالزمان والمكان فتتجاهل أو تنكر حقيقة وجود الله. إذا كانت الحقيقة مرتبطة فقط بزمانها أو بالحياة القصيرة للإنسان الفرد بكل ما فيها من ظلم وألم منذ الميلاد إلى الوفاة، والتي تشبه حياة الحيوان في الموت والتحلل، فإن كل شيء يفقد معناه ويصبح عبثًا .. عبثًا مُطلقًا.
وإذا كانت الحقيقة محدودة بالمكان والوجود الإنساني تحت الشمس ليس له أي نقطة تواصل مع ما هو فوق الشمس، عندها يصبح كل شيء بلا معنى وعبثيًا وقبض الريح.
الله وحده هو من يُعطي المعنى للحياة، إذ أن الله هو الوحيد الذي يمكن أن يملأ فراغ القلب. الله يُضيف الأبدية إلى الحياة، ويعطي ما وراء الطبيعة جنبًا إلى جنب الحيز البشري. لأجل هذا فإن «بَدْءُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ، وَمَعْرِفَةُ الْقُدُّوسِ فَهْم» فالحكمة تبدأ بالمعرفة التي تتضع فتدرك حقيقة الله.
[1] Viktor E. Frankle, Man’s Search for Meaning. (1959; repr., New York: Washington Square Press, 1963), 154.