مُعزَّو أيوب
«وكَانَ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ مَعَ أَيُّوبَ بِهَذَا الْكَلاَمِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لأَلِيفَازَ التَّيْمَانِيِّ، قَدِ احْتَمَى غَضَبِي عَلَيْكَ وَعَلَى كِلاَ صَاحِبَيْكَ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوب»
چون ستوت
ترجمة أشرف بشاي
لا يدّعي الكتاب المُقدّس أنه يُعالج مشكلة الألم البشري علاجًا نهائيًا، ولكنه يأخذ هذه المشكلة على محمل الجد، كما أنه يُقدّم لنا منظورًا معيّنًا لمواجهتها. بخصوص هذه المشكلة يُقدّم لنا كتاب أيوب مساهمة فكريّة مُهمّة للغاية.
يبدأ السفر بتقديم لمحة مزدوجة، الأولى تختص بحياة أيوب البارة وأسرته وغناه المادي، أما الثانية فتكشف لنا عن قاعة المجلس السماوي حيث يتناقش الشيطان مع الله في أمر أيوب. يبدو جليًا أن آلام أيوب قد حدثت بسماح من الله وإذنه. وفقط بعد السماح الإلهي بدأت سلسلة الكوارث الجارفة التي حرمت أيوب من مخزون حياته، وثروته، وأولاده وبناته، وصِحته.
ثم وصل مُعزّو أيوب الثلاثة. في البداية جلسوا ثُلاثتُهم مع صديقهم على الأرض، وطال بقاؤهم هناك دون أن ينبسوا ببنت شفة. كُنا نتمنّى أن يستمروا صامتين، لكنهم وبدلاً من الصمت بدأوا أحدهم بعد الآخر في الهرولة بالحديث عن معتقداتهم القويمة وقناعاتهم التي كبروا عليها، واستمروا في تكرار هذه المعتقدات والقناعات إلى حد الغثيان. تلخّصت أطروحاتهم في أن أيوب يتألم بسبب خطاياه. قال أليفاز: «لِمَاذَا يَأْخُذُكَ قَلْبُكَ، وَلِمَاذَا تَخْتَلِجُ عَيْنَاك» (١٥: ٢٠)، وأضاف بلدد: «نَعَمْ. نُورُ الأَشْرَارِ يَنْطَفِئُ وَلاَ يُضِيءُ لَهِيبُ نَارِه» (١٨: ٥)، وكانت مساهمة صوفر تتلخّص في: «هُتَافَ الأَشْرَارِ مِنْ قَرِيبٍ وَفَرَحَ الْفَاجِرِ إِلَى لَحْظَة» (٢٠: ٥).
ورغم أن أيوب كان مُخطئًا حينما سقط في بالوعة رثاء الذات إلا أنه لم يكن مخطئًا في رفض ما آمن به أصدقاؤه، فدعاهم «مُلَفِّقُو كَذِب» (١٣: ٤)، وأيضًا «مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ كُلُّكُم» (١٦: ٢). لم يكن كلامهم سوى «تُعَزُّونَنِي بَاطِلاً وَأَجْوِبَتُكُمْ بَقِيَتْ خِيَانَة» (٢١: ٣٤)، وقد أكّد الرب فيما بعد على صحة موقف أيوب. أشار الرب إلى «حماقة» الأصدقاء وأكّد مرتيْن على أنهم «لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوب» (٤٢: ٧-٨).
إن كتاب أيوب مهم جدًا لفهم الكتاب المقدس كله. إنه يخبرنا بضرورة ألا نقتبس من أحاديث أولئك المُعزّين وألا نعتبر ما قالوه جزءًا من أقوال الله الموحى بها في كلمته، لأن تلك الأحاديث قد ضُمنّت في الكتاب المقدّس لا لكي يؤكّد عليها الكتاب، بل ليُناقضها.
الله يتكلّم إلى أيوب
«فَأَجَابَ أَيُّوبُ الرَّبَّ، هَا أَنَا حَقِيرٌ، فَمَاذَا أُجَاوِبُكَ. وَضَعْتُ يَدِي عَلَى فَمِي. مَرَّةً تَكَلَّمْتُ فَلاَ أُجِيبُ، وَمَرَّتَيْنِ فَلاَ أَزِيد» (أيوب ٤٠: ٣-٥)
يستحضر لنا سفر أيوب عدد من وجهات النظر البشرية في مسألة الألم الإنساني. إن وجهة نظر أيوب التي تجمع بين الرثاء للذات وتوكيد الذات قد تم رفضُها، كذلك فإن وجهة نظر أصدقاء أيوب التي يمكن تلخيصها في عبارة «اتهام الذات» قد رُفضت أيضًا في هذا السفر. أما التوجّه الذي تبنّاه الصديق الشاب أليهو فيمكن أن ندعوه «تأديب الذات» كون هذا التوجه ينظر إلى الله باعتباره «مُعلِّمًا» (٣٦: ٢٢)، فالله يتحدث إلينا في آتون تجاربنا (٣٦: ١٥)، وهو يهدف من وراء كلامه لنا أن «يُحَوِّلَ الإِنْسَانَ عَنْ عَمَلِهِ وَيَكْتُمَ الْكِبْرِيَاءَ عَنِ الرَّجُل» (٣٣: ١٧)، لكن حتى في هذه الحالة فإن حديث الله لنا جُزئي فقط.
إن الاتجاه الصحيح الذي يتعيّن علينا أن نتبنّاه من نحو الله هو تسليم الذات. لقد دعا الله أيوب لكي يُعاين من جديد خليقة الله، وقصفه بوابل من الأسئلة التي تخرج عن حدود علم أيوب. أين كان أيوب حينما خلق الله الأرض؟ هل يستطيع أيوب أن يتحكّم في الثلج، والعواصف، والنجوم؟ هل يُشرِف أيوب على عالم الحيوانات والطيور؟ وفوق الكل، هل يستطيع أيوب أن يفهم الأسرار أو أن يُخضع قوة بهيموث (فرس النهر) أو أن يُسيطر على لوياثان (التمساح العظيم)؟!
فإذا كان من المعقول بالنسبة لأيوب أن يثق بالله الذي تكشّفت حكمتُه وقوتُه في الخليقة، فكم بالأحرى يكون معقولاً بالنسبة لنا أن نثق في الله الذي رأينا محبته وعدالته في الصليب؟ إن معقولية الثقة يُحدِّدها السؤال عمّا إذا كُنا نعرف جيدًا الشخص الذي نثق فيه، ولا يوجد من هو أجدر بالثقة من إله الصليب. إن الصليب لا يعالج مشكلة الألم، لكنه يمنحنا منظورًا صحيحًا به يمكننا أن نفهم مشكلة الألم.
لذا، نحتاج أن نتعلّم أن نتسلّق إلى رابية الجلجثة، ومن هذا المكان الأفضل يُمكننا أن نُعاين كل مآسي الحياة، فهناك أعلن الله لنا عن محبته المُقدّسة التي ظهرت لنا في حدثٍ تاريخي (صليب المسيح). لا يوجد حدث تاريخي آخر (سواء كان فردي أو عالمي) يمكنه أن يتجاوز الصليب أو يدحضه.
للمزيد، اقرأ أيوب ٤٢: ١-٩، ٣٨: ١-١١