للبرنامج الإلهي كائنات مكرّسة لتحقيقه، تمامًا كما يوجد شيطان حقيقي. نشير إلى هذه الكائنات بأنها ملائكة وإن كان يصح أيضًا وصْف الشيطان نفسه بأنه ملاك ساقط فَقَدَ حالته الأولى. سنبرز هذه الحقيقة بوضوح في هذا القسم الذي يركّز على الشيطان، ولكن يجب أن نولي اهتمامنا الآن بالملائكة الذي يحقّقون مشيئة الله.
أ. وُجود المَلائِكة
الكتاب المقدس يؤكّد أن الملائكة موجودون بالفعل. يعلن البشير متى أنه بعد انتهاء تجربة الرب يسوع: «وَإِذَا مَلَائِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُه» (متى 4: 11).
أشار الرب يسوع إلى وجودهم حينما قال: «اُنْظُرُوا، لَا تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هَؤُلَاءِ ٱلصِّغَارِ، لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَائِكَتَهُمْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَات» (متى 18: 10). وعندما تكلّم عن مجيئه الثاني أعلن: «وَأَمَّا ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ وَتِلْكَ ٱلسَّاعَةُ فَلَا يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلَا ٱلْمَلَائِكَةُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَلَا ٱلِٱبْنُ، إِلَّا ٱلْآب» (مرقس 13: 32). كما يُعلِّم الرسول بولس أن الملائكة موجودة: «لَا يُخَسِّرْكُمْ أَحَدٌ ٱلْجِعَالَةَ، رَاغِبًا فِي ٱلتَّوَاضُعِ وَعِبَادَةِ ٱلْمَلَائِكَةِ، مُتَدَاخِلًا فِي مَا لَمْ يَنْظُرْهُ، مُنْتَفِخًا بَاطِلًا مِنْ قِبَلِ ذِهْنِهِ ٱلْجَسَدِيّ» (كولوسي 2: 18)، «وَإِيَّاكُمُ ٱلَّذِينَ تَتَضَايَقُونَ رَاحَةً مَعَنَا، عِنْدَ ٱسْتِعْلَانِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَ مَلَائِكَةِ قُوَّتِه» (2تسالونيكي 1: 7).
ب. طَبيعة المَلائِكة
1. الملائكة تُوصف في الكلمة المقدسة بأنها «ألَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لِأَجْلِ ٱلْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا ٱلْخَلَاصَ!» (عبرانيين 1: 14). فهي تخدم الله وتحقّق مقاصده. الله «ٱلصَّانِعُ مَلَائِكَتَهُ رِيَاحًا، وَخُدَّامَهُ نَارًا مُلْتَهِبَة» (مزمور 104: 4).
2. الملائكة كائنات مخلوقة. في وقت من الأوقات لم تكن موجودة. «أَنْتَ هُوَ ٱلرَّبُّ وَحْدَكَ. أَنْتَ صَنَعْتَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَسَمَاءَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَكُلَّ جُنْدِهَا، وَٱلْأَرْضَ وَكُلَّ مَا عَلَيْهَا، وَٱلْبِحَارَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَأَنْتَ تُحْيِيهَا كُلَّهَا. وَجُنْدُ ٱلسَّمَاءِ لَكَ يَسْجُدُ» (نحميا 9: 6)، «فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ ٱلْكُلُّ: مَا في ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلْأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أم سِيَادَاتٍ أم رِيَاسَاتٍ أم سَلَاطِينَ. ٱلْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ» (كولوسي 1: 16).
3. الملائكة تفوق الحصر. «وَنَظَرْتُ وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلَائِكَةٍ كَثِيرِينَ حَوْلَ ٱلْعَرْشِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ وَٱلشُّيُوخِ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ أُلُوف» (رؤيا 5: 11)، «بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ ٱللهِ ٱلْحَيِّ، أُورُشَلِيمَ ٱلسَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلَائِكَة» (عبرانيين 12: 22).
4. الملائكة لا تخضع لقانون المادة. بينما لا يستطيع البشر أن يمروا عبر الأبواب أو قضبان السجن، فإن الملائكة تستطيع التحايل على الحواجز المادية والسفر لمسافات طويلة في فترة وجيزة. عندما كان بطرس الرسول نائمًا في السجن وحوله حراس، يخبرنا الكتاب المقدس «وَإِذَا مَلَاكُ ٱلرَّبِّ أَقْبَلَ، وَنُورٌ أَضَاءَ فِي ٱلْبَيْتِ، فَضَرَبَ جَنْبَ بُطْرُسَ وَأَيْقَظَهُ قَائِلًا: قُمْ عَاجِلًا! فَسَقَطَتِ ٱلسِّلْسِلَتَانِ مِنْ يَدَيْه» (أعمال 12: 7).
5. الملائكة تتباين في الرتبة والقدرة. يشير الكتاب المقدس إلى رؤساء ملائكة ورياسات وسلاطين وقوى وسيادات وعروش (راجع كولوسي 1: 16). انخرط الملاك الذي أُرسل إلى دانيآل في معركة ضد قوى الظلام ولم يستطع أن ينتصر، فجاءت تعزيزات متمثّلة في ميخائيل «وَاحِدٌ مِنَ ٱلرُّؤَسَاءِ ٱلْأَوَّلِينَ» الذي سمحت قدرته للملاك الأول أن يصل ليعين دانيآل. وختم الملاك مهمته بالكلمات «فَٱلْآنَ أَرْجِعُ وَأُحَارِبُ رَئِيسَ فَارِس» (دانيآل 10: 12-21).
6. الملائكة أكثر ذكاء من البشر رغم ميل البشر إلى اعتبار أنفسهم على قمة الخليقة التي خلقها الله. هذا ما أدركه الملك داود حينما قالت له المرأة التقوعية «وَسَيِّدِي حَكِيمٌ كَحِكْمَةِ مَلَاكِ ٱللهِ لِيَعْلَمَ كُلَّ مَا فِي ٱلْأَرْض» (2صموئيل 14: 20).
7. الملائكة عظيمة القدرة «بَارِكُوا ٱلرَّبَّ يَا مَلَائِكَتَهُ ٱلْمُقْتَدِرِينَ قُوَّةً، ٱلْفَاعِلِينَ أَمْرَهُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ كَلَامِه» ( مزمور103: 20). «حَيْثُ مَلَائِكَةٌ -وَهُمْ أَعْظَمُ قُوَّةً وَقُدْرَةً- لَا يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِمْ لَدَى ٱلرَّبِّ حُكْمَ ٱفْتِرَاء» (2بطرس 2: 11). تتجلّى قدرة الملائكة علانية في أحداث فعلية في عالم البشر. فمَلاك واحد عظيم في قدرته حتى إن خيال المرء يعجز عن استيعاب وجود كائن بمثل هذه القدرة. يكفي ذكر بضعة أمثلة إيضاحية تبيّن الأعمال القديرة التي يستطيع الملائكة القيام بها من أجل الله.
أ. ملاك واحد قتل 185 ألف جندي أشوري في ليلة واحدة: «وَكَانَ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ أَنَّ مَلَاكَ ٱلرَّبِّ خَرَجَ وَضَرَبَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ مِئَةَ أَلْفٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا. وَلَمَّا بَكَّرُوا صَبَاحًا إِذَا هُمْ جَمِيعًا جُثَثٌ مَيْتَة» (2ملوك 19: 35).
ب. ملاك واحد أباد 70 ألف من بني إسرائيل عقب خطية داود حينما أحصى الشعب: «وَبَسَطَ ٱلْمَلَاكُ يَدَهُ عَلَى أُورُشَلِيمَ لِيُهْلِكَهَا، فَنَدِمَ ٱلرَّبُّ عَنِ ٱلشَّرِّ، وَقَالَ لِلْمَلَاكِ ٱلْمُهْلِكِ ٱلشَّعْبَ: كَفَى! ٱلْآنَ رُدَّ يَدَك» (راجع 2صموئيل 24: 15، 16).
ج. ملاك واحد ردع قوة روما ودحرج الحجر الذي كان الرب مدفونًا وراءه: «وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، لِأَنَّ مَلَاكَ ٱلرَّبِّ نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ ٱلْحَجَرَ عَنِ ٱلْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ...فَمِنْ خَوْفِهِ ٱرْتَعَدَ ٱلْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَات» (متى 28: 2، 4).
د.وسيأتي يوم فيه يربط ملاك واحد الشيطان ويسجنه لمدّة ألف عام. إن عدو نفوسنا اللدود سيُخضع، ليس على يد المسيح نفسه، أو بواسطة أجناد من المخلوقات الملائكية، وإنما على يد ملاك منفرد: «وَرَأَيْتُ مَلَاكًا نَازِلًا مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ ٱلْهَاوِيَةِ، وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ. فَقَبَضَ عَلَى ٱلتِّنِّينِ، ٱلْحَيَّةِ ٱلْقَدِيمَةِ، ٱلَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَٱلشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ، وَطَرَحَهُ فِي ٱلْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ لِكَيْ لَا يُضِلَّ ٱلْأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ، حَتَّى تَتِمَّ ٱلْأَلْفُ ٱلسَّنَةِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يُحَلَّ زَمَانًا يَسِيرًا» (رؤيا 20: 1-3).
ج. مهمّة المَلائِكة
يستعين الله بالملائكة فيما يتعلّق بشؤون البشر كي يساعدوا أولاده ويتمّموا مقاصد إلهية محدّدة. مِن بين الأعمال التي يقوم بها الملائكة:
1. الملائكة ينفّذون أحكام دينونة الله ومقاصده. سدَّ ملاك الطريق أمام بلعام: «فَحَمِيَ غَضَبُ ٱللهِ لِأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ، وَوَقَفَ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ فِي ٱلطَّرِيقِ لِيُقَاوِمَهُ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى أَتَانِهِ وَغُلَامَاهُ مَعَه» (عدد 22: 22). كما تخبرنا الكلمة أنه في نهاية الزمان «يُرْسِلُ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ مَلَائِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ ٱلْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي ٱلْإِثْم» (متى 13: 41). ومات هيرودس الملك نتيجة ضربة مميتة من ملاك «فَفِي ٱلْحَالِ ضَرَبَهُ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ ٱلْمَجْدَ لِلهِ، فَصَارَ يَأْكُلُهُ ٱلدُّودُ وَمَات» (أعمال 12: 23).
2. الملائكة يرشدون المؤمنين. كان الخصي الحبشي يبحث عن الخلاص. لم يكن البشر يفهمون شوق قلبه، ولكن الله عرف، فأرسل ملاكًا ليرشد فيلبس إلى الخصي الحبشي. وعندما كرز فيلبس برسالة الإنجيل، نال الخصي الحبشي الخلاص «ثُمَّ إِنَّ مَلَاكَ ٱلرَّبِّ كَلَّمَ فِيلُبُّسَ قَائِلًا: قُمْ وَٱذْهَبْ نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ، عَلَى ٱلطَّرِيقِ ٱلْمُنْحَدِرَةِ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى غَزَّةَ ٱلَّتِي هِيَ بَرِّيَّة» (أعمال 8: 26).
3. الملائكة يساعدون شعب الله ويحمونهم ويشدّدونهم. اعتنى ملاك بإيليا النبي حينما طلبت إيزابيل وضع نهاية لحياته: «وَٱضْطَجَعَ وَنَامَ تَحْتَ ٱلرَّتَمَةِ. وَإِذَا بِمَلَاكٍ قَدْ مَسَّهُ وَقَالَ: قُمْ وَكُلْ» (1ملوك 19: 5). واجتاز دانيآل موقف جب الأسود وشهد قائلًا: «إِلَهِي أَرْسَلَ مَلَاكَهُ وَسَدَّ أَفْوَاهَ ٱلْأُسُودِ فَلَمْ تَضُرَّنِي، لِأَنِّي وُجِدْتُ بَرِيئًا قُدَّامَهُ، وَقُدَّامَكَ أَيْضًا أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ، لَمْ أَفْعَلْ ذَنْبًا» (دانيآل 6: 22).
4. الملائكة سيأتون مع ربنا في مجيئه الثاني. «وَمَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ ٱلْمَلَائِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِه» (متى 25: 31)، «وَإِيَّاكُمُ ٱلَّذِينَ تَتَضَايَقُونَ رَاحَةً مَعَنَا، عِنْدَ ٱسْتِعْلَانِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَ مَلَائِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِيًا نَقْمَةً لِلَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ ٱللهَ، وَٱلَّذِينَ لَا يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيح» (2تسالونيكي 1: 7، 8).
5. الملائكة يحملون أولاد الله إلى السماء. يزيح الرب يسوع الستار الفاصل بين هذا العالم والعالم الآتي ويعلن أن الملائكة تشارك في إحضار أولاد الله من هذا العالم إلى المجد: «فَمَاتَ ٱلْمِسْكِينُ وَحَمَلَتْهُ ٱلْمَلَائِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيم» (لوقا 16: 22).
د. عُلو مَكانة البشر فَوق المَلائِكة
رغم أن الملائكة أعظم من البشر في القداسة والقدرة والحكمة، فإن أبناء الله لهم بالفعل مكانة أعظم من الملائكة إذ يشغلون مقامًا ويستمتعون بمزايا لا تستطيع الملائكة مشاركتهم فيها.
1. الملائكة، مثلًا، لا تكرز بالإنجيل. فهذا الامتياز يقتصر على أبناء الله. لا يُسجّل الكتاب المقدس في أي موضع أن ملاكًا شارك رسالة الخلاص حتى في حالة خلاص الخصي الحبشي نجد أن الملاك المسؤول عن المهمّة يستعين بإنسان. وعندما بحث كرنيليوس عن الخلاص، أرشده ملاك ليرسل باحثًا عن الرسول بطرس ولكن الملاك نفسه لم يكرز لكرنيليوس. يتمتع البشر بامتياز نادر لا يتمتع به حتى الملائكة، وهو الكرازة بالإنجيل ودعوة البشر في كل مكان للتصالح مع الله.
٢. فضلًا عن ذلك، المؤمنون سيدينون الملائكة. تعطينا آية وحيدة فكرة عن هذه الحقيقة المذهلة، وهي حقيقة تظل راسخة رغم عدم شرح الكلمة لها: «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا سَنَدِينُ مَلَائِكَةً؟» (1كورنثوس 6: 3). أبناء البشر المفديون سيكون لهم امتياز إدانة الملائكة، يا له من امتياز مجيد لسنا أهلًا له! ما مدى الحرص الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمنون حينما يدينون خطاياهم ويتخلّصون من تعدياتهم في ضوء هذا الامتياز العظيم المقدس.