الله موجود. وجود الله هو الحقيقة التي يقوم عليها التاريخ «وَلَكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لَا يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ ٱلَّذِي يَأْتِي إِلَى ٱللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي ٱلَّذِينَ يَطْلُبُونَه» (عبرانيين 11: 6). عندما يثبت هذا الإعلان، تسير كافة الأمور في الحياة في الاتجاه الصحيح. الله موجود، هذا هو جوهر الحق الذي تنبثق منه الحقائق الأساسية المُتعلّقة بطبيعة الله وصفاته ومقاصده، وكذلك ما يتعلّق بأصل الإنسان وطبيعته ومصيره، ومنطق الحياة بجميع صُورها.
الله تكلّم. إعلان الله عن ذاته لم يكن قط إجباريًا ولكنه يستمد أصوله من تنازل الله كسيد. فقد أعلن يهوه عن نفسه في الطبيعة (مزمور ١9: 1)، وفي ضمير الإنسان (رومية 2: 15)، وفي صيغة مكتوبة مُتمثّلة في الكلمة المقدسة، أي الكتاب المقدس (راجع 2بطرس 1: 21)، وفي أعظم هذه الصور، في الكلمة المتجسِّد، ابن الله، ربنا يسوع المسيح (عبرانيين 1: 1-2). لم يتلعثم الله حينما تكلم، وإنما تكلّم ببساطة، تكلّم مباشرة، تكلّم كلامًا محددًا، وإعلانه حق وكامل. ينبغي أن يكون لسان حالنا: الله تكلّم «يَا أَرْضُ، يَا أَرْضُ، يَا أَرْضُ ٱسْمَعِي كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ!» (إرميا 22: 29).
ليس هناك موضع نسمع فيه صوت الله أعلى مما نسمعه في الكتاب المقدس؛ إذ نستمد معرفتنا بكل الأشياء المُتعلّقة بالخليقة والفداء من نصوص العهديْن القديم والجديد. فإذا أردنا أن نعرف فكر الله في أي جانب من جوانب الفكر والحياة، يجب أن تكون كلمة الله مرجعنا الرئيسي. خُصّص هذا الدليل للنظر في الحقائق الجوهرية المرتبطة بالكتاب المقدس.
ما هُو الكِتَاب المُقدّس؟
الكتاب المقدس هو المرجع الذي نستمد منه مصدر معرفتنا بالله. إنه النص الذي يسجل الحق الإلهي، والدليل الذي يرشدنا إلى الحياة الأبدية. والأصل اليوناني لمصطلح «الكتاب المقدس» هو «بيبلوس biblos» ويعني «كتاب» غير أن المجلد الذي يضم أسفار الكتاب المقدس تُطلَق عليه عدة تسميات: «الكُتب المقدسة» (1كورنثوس 15: 3، 4 «الكُتب») أو «كلمة الله» (كما جاء في عبرانيين 4:12).
مُحتويات الكِتَاب المُقدّس
الكتاب المقدس مكتبة كاملة تضم ستة وستين كتابًا (أو ما يُسمى سفرًا) تنقسم إلى قسميْن رئيسييْن: العهد القديم والعهد الجديد. وكلمة «عهد» تشير إلى «وعد» أو «اتفاق» (عبرانيين 8: 6-13). واللغة الأصلية التي كُتب بها العهد القديم هي اللغة العبرية (رغم أن أجزاءً من سِفري دانيآل وعزرا كُتبت في الأصل باللغة الآرامية)، بينما كُتب العهد الجديد باللغة اليونانية.
1. العهد القديم يضم تسعة وثلاثين سفرًا. في القديم أطلق عليه اليهود هذه التسميات: «الناموس، والأنبياء، والكتب المقدسة (أو المزامير)». لاحظ مثلًا الاستعمال الوارد في لوقا 24: 25-27. وعليه، فعلماء الكتاب يُقسّمون الأسفار إلى تقسيمات ثانوية:
(أ) خمسة أسفار الناموس (أو الشريعة) المعروفة باسم «التوراة» (أو «المجلدات الخمس»)، وهي: تكوين، خروج، لاويين، عدد، تثنية. كاتب هذه الكتب هو موسى النبي، وهي تضم تسجيلًا للأحداث الممتدة منذ بداية الخليقة وحتى موت موسى.
(ب) أسفار التاريخ الاثنا عشر، وهي: يشوع، قضاة، راعوث، صموئيل الأول والثاني، ملوك الأول والثاني، أخبار الأيام الأول والثاني، عزرا، نحميا، أستير. وهذه الأسفار التاريخية تشير بالكامل إلى شعب إسرائيل، ويقتصر ذكر الشعوب المحيطة على ما يتعلق بـ «الشعب المختار». فالأسفار تسرد تاريخ اليهود بدءًا من زمن يشوع حتى العودة من السبي البابلي إلى أرض الموعد.
(ج) الأسفار الشعرية الخمسة، وهي: أيوب، ومزامير، والأمثال، والجامعة، ونشيد الأناشيد. وهذه الكتب الشعرية تعكس حساسية الكُتّاب العبرانيين. وكل منها يقدم رسالة تتعلق بالله والتجربة البشرية.
(د) اثنا عشر سفرًا نبويًا (الأنبياء الصغار، أي الأسفار النبوية الأقصَر)، وهي: هوشع، ويوئيل، وعاموس، وعوبديا، ويونان، وميخا، وناحوم، وحبقوق، وصفنيا، وحجي، وزكريا، وملاخي.
(ه) خمسة أسفار نبوية (الأنبياء الكبار، أي الأسفار النبوية الأطوَل)، وهي: إشعياء، وإرميا، ومراثي إرميا، وحزقيال، ودانيآل. تسافر بنا هذه الأسفار النبوية في العهد القديم حتى القرن الخامس قبل الميلاد.
(لاحظ أن العدديْن 5 و12 يتبادلان الظهور عند تعداد أسفار الكتاب. سيساعدك هذا على تذكر محتويات العهد القديم.)
2. يضم العهد الجديد سبعة وعشرين سفرًا. يمكننا تذكر هذا الرقم بسهولة كما يلي: يضم العهد القديم 39 سفرًا. فإذا ضاعفنا رقم 9 ثلاث مرات، سيكون حاصل الضرب 27.
(أ) أربعة بشائر، وهي: بشارة متى، بشارة مرقس، بشارة لوقا، بشارة يوحنا. وكلمة «بشارة» أو «إنجيل» تعني «خبر مُفرِح». الأناجيل الثلاثة الأولى، وتسمى «الأناجيل الثلاثة المتشابهة/الإزائية»، تكاد تتطابق في تعاملها مع القصة الكتابية. أما الإنجيل حسب ما دونه يوحنا فهو يختلف من حيث سياقه وأسلوبه والغرض منه. (يوحنا 20: 31). والأناجيل بصفة عامة تضم سردًا لحياة المسيح وتعاليمه وخدمته وآلامه.
(ب) سفر تاريخي واحد، وهو أعمال الرسل (أحيانًا يسمى «أعمال الروح القدس»). ولوقا البشير هو كاتب هذا السفر، وهو يتتبع تاريخ كنيسة القرن الأول منذ زمن المسيح وحتى سَجْن الرسول بولس أي أن هذا السفر يتناول حياة الكنيسة وامتداد البشارة المسيحية في الفترة بين عاميّ 29 إلى 64م. إن سفر الأعمال هو سفر الاستكمال.
(ج) رسائل بولس الأربعة عشر، وهي رسائل كتبها الرسول بولس إلى كنائس وأشخاص مؤمنين: رومية، كورنثوس الأولى والثانية، غلاطية، أفسس، فيلبي، كولوسي، تسالونيكي الأولى والثانية، تيموثاوس الأولى والثانية، تيطس، فليمون، وربما الرسالة إلى العبرانيين.
(د) سبع رسائل عامة، غير موجهة إلى أشخاص أو مجموعات محدودة، وهي: يعقوب، وبطرس الأولى والثانية، ورسائل يوحنا الثلاثة، ويهوذا. هذه الرسائل تختلف عن رسائل بولس من حيث احتواء عناوينها على أسماء كاتبيها وليس مَن تلقوها.
الإحدى والعشرين رسالة هي توضيح إلهي لرسالة الإنجيل.
(ه) كتاب نبوي واحد، وهو: الرؤيا. هذا هو سفر الاكتمال.