ترجمة أمجد أنور
الأقنوم الثاني في الذات الإلهية هو الله الابن، ربنا يسوع المسيح. إنه سرمدي مثل أبيه ومساوٍ لأبيه في الجوهر. يجب أن نفهم مَن هو وما فعل للإنسان؛ لأن شخصه وعمله يمثّلان الموضوع المحوري للكلمة المقدسة.
أ. سرمديّة يَسُوع المَسِيح
إن ذلك الذي عبر إلى التاريخ البشري منذ قرون لم يبدأ حياته في بيت لحم اليهوديّة؛ فهو موجود منذ الأزل في حضن الآب، وهو «جوهر الله وذاته». لم يوجد وقت دون أن يكون هو موجودًا، فهو كان وما زال ابن الله الوحيد، كلمة الله الأزلية (يوحنا 1: 1)، إشراق مجد الله «ٱلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ ٱلْكُلُّ» (كولوسي 1: 17). «يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَٱلْيَوْمَ وَإِلَى ٱلْأَبَد» (عبرانيين 13: 8؛ انظر أيضًا عبرانيين 1: 3).
ب. معنى اسم «يَسُوع المَسيح»
1. اسم «يسوع» هو ترجمة الاسم اليوناني المقابل للأصل العبري «يشوع»، والاسم يعني «يهوه خلاص» «وَتَدْعُو ٱسْمَهُ يَسُوعَ. لِأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُم» (متى 1: 21). فذاك الذي وُلِد من مريم هو يهوه نفسه، مُخلِّص البشر.
2. واسم «المسيح» هو ترجمة الاسم اليوناني المقابل للأصل العبري «مسيا» (راجع يوحنا 1: 41)، والاسم يعني «الممسوح»، منقذ البشر الموعود.
ج. تجسُّد يَسُوع المَسِيح
1. عمانوئيل («الله معنا»). هؤلاء الذين تيّقنوا من وجود المسيح منذ الأزل وحدهم يستطيعون فهُم الطبيعة الخارقة لميلاده. في بيت لحم صار السرمدي محدودًا بإطار الزمن، فالله الابن صار إنسانًا.
من أجل افتداء البشرية الضالة، المسيح «صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلْآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا» (يوحنا 1: 14). وهذا ما يعرف بأنه تجسُّد ابن الله. والأصل الإنجليزي لكلمة «تجسُّد incarnation» مشتق من التركيب اللاتيني المكون من inوتعني «في» و«caro»وتعني «الجسد». «وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ ٱلزَّمَانِ، أَرْسَلَ ٱللهُ ٱبْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ ٱمْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ ٱلَّذِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، لِنَنَالَ ٱلتَّبَنِّي» (غلاطية 4: 4، 5). فيسوع المسيح «إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ ٱللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا لِلهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ ٱلنَّاس» (فيلبي 2: 6، 7).
2. الله الإنسان. الأقنوم الثاني للذات الإلهية اتخذ جسدًا بشريًا. يسوع هو أقنوم الله الإنسان (theantropos) بطبيعتيْن، طبيعة بشرية وطبيعة إلهيّة. فهو الله، وهو إنسان. ومع أنه الله والإنسان في آن واحد، إلا أنه أقنوم واحد يمتلك طبيعتيْن مستقلتيْن ومتميّزتيْن عن إحداهما الأخرى بدون اندماج أو اختلاط.
هذا سر إلهي. فربنا أطعم خمسة آلاف بمعجزة، ومع ذلك اختبر قرصات الجوع. منح ماء الحياة، ومع ذلك عطش أمام بئر السامرة. هدأ أمواج بحيرة الجليلة المتلاطمة، ومع ذلك نام في قارب صغير. فتح فمه فَحرّر لعازر من قبضة الموت، ومع ذلك بكى حينما سمع أن صديقه مات. عندما مات تزلزلت الأرض، ومع ذلك اختبر على الصليب مرارة عذاب الألم الإنساني. من الجلي أن المسيح كان إنسانًا وإلهًا في آن واحد.
د. عمَل يَسُوع المَسِيح
كُتب عن ربنا أكثر من أي شخص آخر عاش على الأرض، فقلب المؤمن يسعد جراء عمل المسيح كنبي وكاهن وملك.
بعض الناس لا يعتبرون يسوع أكثر من رجل عظيم، فرغم تصديقهم أنه تمتّع بـ «نفحة إلهية»، ورغم بريق هذه «النفحة»، فإنهم يروْن أنها تشبه النفحة التي تنير كل عبقري. فخدمة الرب يسوع من وجهة نظر أولئك الناس مثيرة للشغف، وإن كانت محيّرة. ولكنهم لا يسعون إلى تركه وشأنه، فتجدهم يدرسونه، ويحاولون محاكاته، ويمدحونه بوصفه أروع مثال للإنسان. ولكنه لا يجدونه مطلقًا. كانت إرسالية المسيح إرسالية إلهية مصدرها السماء، وتحقّقت على الأرض، وتستمر في المجد. إنه نبي، وكاهن، وملك.
1. نبي. المسيح هو نبي الأجيال. (قارن بين تثنية 18: 15 وأعمال 7: 37). إن النبي شخص يتكلم نيابة عن شخص آخر. فهارون، مثلًا، كان «نبي» موسى، أو المتحدّث الرسمي باسمه (قارن بما جاء في خروج 7: 1). جاء يسوع ليعلن مشورة الله ويزيح الستار عن شخص الله. جاء يسوع ليقود البشر إلى الله. إن شريعته الأخلاقية أكثر دقة وأعلى سلطانًا من أي شريعة عرفها العالم. عظاته روائع من البساطة المفوهة. كلماته سامية، وأقواله جميلة، كريمة، دافئة، ومباشرة. يعتقد البعض أن تعاليم يسوع الأخلاقية هي مجمل خدمته وجوهرها، لكن هذا المفهوم جد خطير.
يسوع، النبي، أعلن أن الإنسان في عوز روحي، وخاطئ. ورغم روعة تعاليم المخلص، فإن الإنسان يعجز عن إتمام الوصايا الأخلاقية. تعاليم ربنا تهب إلهامًا، ولكنها تجلب دينونة أيضًا. فسرعان ما يكتشف الإنسان أنه في حالته الحالية يعجز عن إتمامها. ولكن مجد الإنجيل يكمن في أن المسيح كنبي يمد الإنسان بكوكبة من المُثل العليا، وهو ككاهن يحرّره من الخطية.
2. كاهن. «وَأَمَّا رَأْسُ ٱلْكَلَامِ فَهُوَ: أَنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِثْلَ هَذَا، قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ ٱلْعَظَمَةِ فِي ٱلسَّمَاوَات» (عبرانيين 8: 1). الفداء يشترط الكهنوت والذبيحة، والرب يسوع استوفى الشرطيْن؛ فهو كاهن وحمل.
الذبيحة التي قدّمها الرب يسوع كانت دمه الثمين. لقد دخل إلى قدس الأقداس ورش دمه على كرسي رحمة الله. وهو يتشفّع عن الخاطئ (قارن بما جاء في رومية 8: 34). وغفران الخطايا يعتمد على عمله الكهنوتي التشفعي.
(ادرس عبارة «أعظم من» الواردة في متى 12: 5، 6، 41، 42. يسوع أعظم من يونان: هذا هو عمله النبوي. وهو أعظم من كهنوت الهيكل: هذا هو عمله الكهنوتي. ولكنه أيضًا أعظم من سليمان: هذا هو عمله الملكي).
3. ملك. وُلد يسوع في مدينة داود الملكية. رحب به زوار ملكيون من الشرق، وتُوِج ملكًا في معموديته. أعلن بيانه الملكي في الموعظة على الجبل وأمثاله عن المملكة. تجلّت مؤهلاته الملكية في المعجزات التي صنعها. كان ملك اليهود، من نسل يهود الملكي، مسيا إسرائيل الذي طال انتظاره.
رفض اليهود ملكهم، فكان تاجه إكليل شوك، وكان صولجانه قصبة، وعرشه كان صليب العار القاسي. ولكن الله أقامه من بين الأموات ومجّده «قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ ٱلْعَظَمَةِ فِي ٱلسَّمَاوَات» (عبرانيين 8: 1). وهو يملك من موقع الكريم كسيد على قلوب كل من اليهود والأمم على حد سواء لكل من يقبله مخلصًا وملكًا.
على رعايا الملك واجب ورجاء:
أ. واجبهم أن يكرموه، ويخلصوا في طاعته، ويبايعوه بمديح لا يشوبه خداع. ينبغي لهم أن يعترفوا به ملكًا على كل جانب من جوانب حياتهم. عليهم أن يطلبوا ملكوت الله أولًا، ويسعوا لامتداد ملكوته عبر شهادتهم، وخدمتهم، وعملهم الكرازي الممتد إلى أقاصي الأرض. المسيح ملك! فليملك بالحق على الجميع.
ب.رجاؤهم أن يأتي الملك ثانية! أوقات المحن تزيد، والشر في ارتفاع، والظلم عمَّ كل مكان، وحيثما تنظر تجد القسوة، واللامبالاة، والبلبلة. ولكن هذه الفوضى مصيرها الانتهاء، وسيعود المسيح بقدرته ومجده ليملك، وسيكون الاسم المكتوب على ثوبه: «مَلِكُ ٱلْمُلُوكِ وَرَبُّ ٱلْأَرْبَاب» (رؤيا 19: 16). وستتحقق النبوءة: «قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ ٱلْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، فَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِين» (رؤيا 11: 15).
ه. عَلاقة الإِنسان بيَسُوع المَسِيح
سؤال واحد يحدّد مصير النفس الإنسانية، سؤال طرحه الحاكم الروماني بيلاطس منذ قرون: «فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْمَسِيحَ؟» (متى 27: 22).
ماذا تراك فاعلًا مع يسوع؟
الحياد ليس اختيارًا
قلبك سيسأل في يوم سؤالًا
ماذا تراني به فاعلًا؟