بقلم أشرف بشاي
إنَّ الشخصيّات العظيمة لا يمكن أن نُحيط بها من زاوية حياتيّة واحدة، فما بالك بشخصيّة الله/المسيح؟! نعم لدى المسيحيّين أربعة «بشائر» (بشائر وليس أناجيل). فالإنجيل ليس كتابًا من حِبْرٍ وورق، بل هو «بُشرى» مَحبَّة الله للبشر وفِعْله لإنقاذهم. وهذه المحبَّة تجلّت في مجيء المسيح إلى أرضنا: عاش المسيحُ مثلنا مُختبِرًا آلامنا، ووُضع تحت الامتحان نظيرنا، لكنه نجح وأثبت أنَّه الوحيد بين البشر «بلا خطيّة» (قُدوس وطاهِر ولا عَيْبَ فيه). ثم مات المسيح الموت الذي كُنا نحن نستحقه لكيلا نموت نحن في جهنم النار، بل تكون لنا -متى آمنّا به- الحياةُ الأبديّة.
هذا الخبر السار هو ما نسميّه «الإنجيل». وهذا الإنجيل الواحد كَتَبَه لنا أربعةٌ من تلاميذ المسيح: متَّى ومَرْقُس ولُوقَا ويُوحَنَّا. كتب كُلٌّ منهم مُتناولًا زاوية من حياة هذا المُخلِّص العظيم. كتب متَّى من زاوية «المسيح الذي تنبأتْ عنه أسفارُ اليَهُود]، وكتب مرقس من زاوية: «المسيح الذي جاء خادِمًا لخلاص البشر»، وكتب لُوقا مخاطِبًا اليُونانيّين من زاوية: «المسيح كالنموذج الفريد بين البشر وكالإنسان الكامِل»، وكَتَبَ يُوحنَّا مُتحدِثًا عن «ألوهيّة المسيح باعتباره واحد في الذات الإلهيّة مع الآب والروح القدس». كتب جميعهم عن المسيح في تكامِل وانسجام لافتٍ للنظر. ودائمًا يتحدّى المسيحيّون غيرَهم إن كان بإمكانهم اكتشاف تناقُضٍ واحد بين البشائر.
دعني أقول لك إنَّ هذه الأناجيل تشمل كُلَّ ما يلزمنا من أجل معرفة الله والمخلِّص، لكنها لا تُقدِّم لنا تفاصيلَ حياةَ المسيح يَوْمًا بيوم. إنَّ هدف الله من كتابة الأناجيل ليس إشباع فُضولَنا البشريّ، بل بالأحرى قيادة نُفوسِنا إلى معرفته الصحيحة لنحصل على الحياة الأبديّة. لذلك كتب يُوحَنَّا في خاتمة إنجيله: «وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِه» (يوحنَّا 20: 30-31).
أما عن إنجيل برنابا، فهذا الكتاب لا يصحُّ تسميته «إنجيل» لكوْنه كتابًا مُزيفًا ولا علاقة له بالمسيحيّة، فقد كُتب هذا الكتاب في القرن الخامِس عشر بواسطة شخص مُزوِّر ادّعى أنَّه من حوارييّ المسيح، ومُسميًّا نفسه «برنابا» (على اسم أحد المشاهير في العصر المسيحيّ الأول/الكنيسة الأولى). يمتلئ هذا الكتاب بالأخطاء اللاهوتيّة والتاريخيّة والجغرافيّة (مما يدُلُّ على أنَّ كاتبه شخصٌ فاقد للمِصداقيّة، بل لم يَعِشْ أصلًا في فلسطين الحبيبة، ولم يعش في زمن المسيح). أمَّا لماذا يسأل الأصدقاء دائمًا عن هذا الكتاب فلأنَّ كاتِبَه ذَكَرَ (حَصْرًا) اسم يهمهم في كتابه، مما يدلُّ على التاريخ المتأخِّر لكتابة هذا الكتاب. يمكنك الاستزادة في هذا الموضوع بالاطلاع على كتاب «إنجيل برنابا – في ضوء العقل والتاريخ».
لك تحياتي ومودّتي.