تأليف د. القس مارك آلان پاول
ترجمة القس أشرف بشاي
مقتطف من موسوعة "العهد الجديد يتكلّم"، الكتاب الأول "البشائر الأربع وسفر أعمال الرسل"
يكشف لنا إنجيل لُوقا اهتمامًا خاصًّا بالمنبوذين وضحايا الظُّلم وكُلّ الفئات المُهمّشة في المُجتمع. إنّ سلسلة نسب المسيح الواردة في بشارة لُوقا تعود بأصله حتى آدم. كان هدف البشير أن يُؤكّد على الرّابطة الّتي تربط بين المسيح من جهة مع البشر من جهة ثانية (3: 23-38). لقد تحدّى يسُوع ضيقَ الأُفق الّذي يُحدُّ اهتمام الله ويحصُره في جماعة أو أُمّة بعينها فقط (4: 24-27 قارن 2: 32؛ 3: 6، 8). وصمّم يسُوع أنّ يكون إنجيلُه الّذي يُعلن اسمه رسالةَ رجاء لجميع الشُّعوب (24: 47 قارن 2: 32). وخلال هذا التّحوُّل الحصريّ فإنّ المُزدرى والمُهان والمُحتقر سيكون لهم اهتمامٌ خاص. لذلك نرى في بشارة لُوقا مقاطع فريدة وطويلة تتصدّى للتوجُّهات المُسيئة للسّامريّين (9: 51-56؛ 10: 29-37؛ 17: 11-19)، وللعشارين؛ أي جُباة الضّرائب (15: 1-2؛ 18: 9-14؛ 19: 1-10؛ لاحظ أيضًا 5: 27-32؛ 7: 34).
إنّ هذا الاهتمام بالمنبوذين من المُمكن أن يُلقي الضّوء على قيمة المرأة في بشارة لُوقا. هناك عددٌ ضخم من القصص الّتي كانت بطلاتُها من السّيدات (1: 26-66؛ 2: 36-38؛ 7: 11-17، 36-50؛ 8: 1-3، 42-48؛ 10: 38-42؛ 11: 27-28؛ 21: 1-4؛ 23: 27-31؛ 23: 55-24: 11). ويبدو أنّ لُوقا يخرج عن طريقته المُعتادة لكي يُضمّن إشاراتٍ مُتوازية تُوضّح كيف كانت كلماتُ المسيح وأفعالُه تنطبق على الرّجال والسّيدات على السّواء (راجع 15: 4-10). وهناك ارتباطٌ قويٌّ واضحٌ بين "المرأة والكلمة" في هذا الإنجيل (1: 45؛ 8: 21؛ 11: 27-28 قارن 1: 38). بالمثل، فإنّ مريم أُخت مرثا يتمُّ الدّفاع عن موقفها بل امتداح هذا الموقف من قبل يسُوع بسبب القرار الّذي اتخذته حين كانت جالسةً عند قدميْه لتسمع كلامه (10: 39، 42).
مع ذلك فإنّ الاهتمام الكبير للبشير لُوقا هُو الفُقراء؛ تلك الكلمة الّتي على ما يبدو، كانت تُشيرُ -بشكل مبدئيّ- إلى فئة أُولئك المحرومين اقتصاديًّا (مع أنّ آخرين يُمكنُ أن نعتبرهم فُقراء من منظور آخر مثل حالات غياب الشّرف أو الحرمان من المكانة الاجتماعيّة أو القُوّة). قال يسُوع في عظته الافتتاحيّة إنّ الغرض المجيد لخدمته هو: "لأُبشّر المساكين"، "وأُرسلُ المُنسحقين في الحُريّة" (4: 18 قارن 7: 22). إنّ "الفُقراء" و "المُنسحقين" هُم فئة واحدة، إذ أنّ الفقر في هذه البشارة يُنظرُ إليه على أنّه نتاجُ الظّلم: فالفقُرّاء يملكون أقل ممّا يلزمهم لأنّ هناك من امتلكوا أكثر مما يحقُّ لهم. لذا، فاهتمام البشير لُوقا بالفُقراء مصحوبٌ بشعور عدائيّ نحو الأغنياء: إنّ الله يُشبع الجياع خيرات لكنه يُرسل الأغنياء فارغين (1: 53). إنّ الفُقراء مُبارَكون (6: 20-21) لكن الأغنياء أسرى (6: 24-25). وفي أمثاله، يُصوّر يسُوع الأغنياء كحمقى لأنّهم يظنّون أنّ جوهر الحياة وقيمتها هُما في اقتناء الممتلكات (12: 16-21) والأسوأ، فإنّ مصير الأغنياء هُو المُعاناة في العذاب الأبديّ بينما سيحصل الفقراء على راحتهم ونعيمهم الأبديّ (16: 19-31). إنّ ملكوت الله سيكون انعكاسًا للقيم والالتزامات (16: 13-15). ففي هذه الحياة، كل الأُمناء لله سوف يتخلّون عن المُمتلكات الماديّة (12: 33؛ 14: 33؛ 18: 22) وسوف يكونون أسخياء في مُساعدة الفُقراء (3: 11؛ 14: 13؛ 18: 22؛ 19: 8)، أمّا في الحياة الأُخرى فإنّ الفُقراء سيكونون هُم السُّعداء والمطوّبين جدًا هناك (6: 20؛ 14: 21؛ 16: 22).