بقلم د. ريتشارد بوكمان
ترجمة القس أشرف بشاي
الفصل الأوّل
ما نوع الكتابة الأدبيّة الّتي ينتمي إليها سفر الرؤيا؟
من الأهميّة بمكان أن نفتتح الحديث عن سفر الرؤيا بإجابة هذا السؤال، لأنّ إجابتنا سوف تُحدّد توقُّعاتنا من هذا الكتاب والمعنى الذي يُنتظر وجوده فيه. إن واحدة من المشكلات التي تُواجه قُرّاء العهد الجديد هي الإحساس بغرابة/بشذوذ هذا السفر مقارنة بالأسفار الأخرى في العهد الجديد. إن بعض القُرّاء يجدون صعوبة في فهم هذا السفر، وإساءة تفسير هذا السفر تبدأ من وجود تصوُّر خاطئ عن نوعيته الأدبية.
وبالنسبة للكتب القديمة، فإنّ الافتتاحيّة عادةً ما تكشف لنا عن النوع الأدبيّ الذي ينتمي إليها الكتاب. ينطبق هذا المبدأ على كتاب الرؤيا أيضًا؛ فالأعداد الأُولى من السفر تُوضّح أنّه لا ينتمي إلى نوعٍ واحد فقط من الكتابات الأدبيّة بل إلى ثلاثة أنواع، فالعدد الأوّل (الّذي يمكن اعتباره عنوانًا للكتاب) يتحدّث عن إعلان يسُوع المسيح الذي أعطاه الله (الآب) ليسُوع المسيح ثم قام بتوصيله لعبيده من خلال سلسلة من الإعلانات: الله... المسيح...الملاك.... يُوحنا (كاتب السفر) ... عبيد أو خُدّام الله. إن الكلمة «إعلان» أو «كشف» αποκαληπσις تعني أن هذا الكتاب ينتمي إلى نوعيّة من الكتابات اليهوديّة القديمة، وكذا إلى الأدب المسيحيّ الذي يسمّيه علماءُ الكتاب المُعاصرون الأدب «الرؤيويّ». في الواقع، مع أنّنا لا نستطيع أن نتيقّن أن الكلمة «رؤيويّ» كانت تحمل نفس المعنى حينما كتب يُوحنا كتابه قبل ألفيّ عام، إلا أن قدرًا كبيرًا من السمات الرؤيويّة الموجودة بالسفر تؤكّد وجود هذا التشابه مع الكتابات الرؤيويّة الأخرى.
ومع ذلك فالعدد الثالث من الأصحاح الأوّل يصف السفر بالكلمة «نُبُوّة» بما يعني أن السفر قُصد به أن يُقرأ بصوتٍ عال خلال العبادة المسيحيّة، وهذا الوصف للسفر باعتباره نُبُوّة يزداد وضوحًا في خاتمة السفر (راجع مثلًا 22: 6-7 التي تعكس صدى 1: 1-3، وبصفة خاصة 22: 18 – 19). لكن الأعداد 1: 4-6 لا تترك لنا مجالًا للشك بأنّ القصد من وراء سفر الرؤيا أن يكون السفر رسالةً/خطابًا. إن العدديْن 4، 5أ يتبعان الشكل التقليديّ لافتتاحيّات الرسائل التي كتبها الرسولُ بُولُس وغيرُه من القادة المسيحيين الأوائل: اسم المرسل والمُرسل إليه يتبعهما تحيّة بصيغة «نِعمَةٌ لَكُم وَسَلاَمٌ مِن ..... ». من الواضح أن هناك بعض الاختلافات عن الشكل المُعتاد لرسائل الرسول بُولُس، لكن من الواضح أيضًا أن سفر الرؤيا يحملُ شكل الخطاب المسيحيّ الباكر، ويتأكّد ذلك لنا عند قراءة خاتمة السفر (22: 21) وكذا عند مقارنة هذه الخاتمة مع خواتيم كثير من الرسائل البُولُسيّة. ويبدو واضحًا أن سفر الرؤيا نُبُوّة رؤيوية، كُتبت في شكل رسالةٍ دوريّة، وُجهت إلى الكنائس السبع الكائنة في المقاطعة الرومانيّة التي تُدعى آسيّا. يبدو واضحًا في 1: 11 أن هذا الكشف/الإعلان قد أُعطيّ ليُوحنا (الّذي «رأى»)، وطُلب منه أن يكتب ما يراه، ثُمّ يُرسل بهذه الكتابة إلى الكنائس السبع التي تردُ أسماؤُها هنا: «وَالَّذِي تَرَاهُ، اكْتُبْ فِي كِتَابٍ وَأَرْسِلْ إِلَى السبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: إِلَى أَفَسُسَ، وَإِلَى سِمِيرْنَا، وَإِلَى بَرْغَامُسَ، وَإِلَى ثَيَاتِيرَا، وَإِلَى سَارْدِسَ، وَإِلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإِلَى لاَوُدِكِيَّةَ». إن هذا الأمر بالكتابة والإرسال ينطبق على كُلّ الرؤى والإعلانات التي ترد في بقيّة السفر، والإشارة المُعتادة إلى « السبع الرسائل» الموجودة في الأصحاحيْن الثاني والثالث هي إشارة خادعة لأنّ هذه الرسائل ليست مُجرّد رسائل، بل هي أيضًا «رسائل نبويّة» لتلك الكنائس. في الحقيقة أن سفر الرؤيا في مُجمله هو بمثابة رسالة دوريّة واحدة إلى الكنائس السبع، أمّا الرسائل السبع المُوجّهة فرادى إلى هذه الكنائس فهي بمثابة «مُقدّمات» لبقيّة السفر التي يُوجّهها الكاتبُ إلى جميع تلك الكنائس. من أجل ذلك يتعيّن علينا أن ننظر بعين العدالة إلى هذه الفئات الأدبيّة الثلاث: الرؤيا، والنُبُوّة، والرسالة التي ينتمي سفر الرؤيا إليها جميعًا. ومع تقديرنا المتساوي لهذه النوعيّات الثلاث من الكتابات الأدبيّة في كلمة الله، لكن قد يكون من المُناسب أن نبدأ دراسة هذا الكتاب باعتباره نُبُوّة.
سفر الرؤيا ككتاب نبويّ
من الواضح أن كُلّ ما نعرفه عن يُوحنا كاتب سفر الرؤيا أنّه كان أحد الأنبياء المسيحيين الذين من أصل يهوديّ. ومن المؤكّد بالدليل القاطع أنّه كان ضمن دائرة الأنبياء الّذين خدموا كنائس مقاطعة آسيا (22: 6)، ومن المؤكّد كذلك أن الكاتب كان له منافسٌ واحد على الأقل: نبيّة ثياتيرا التي اعتبرها يُوحنا نبيّة كذّابة (2: 20). لذا، فمن أجل الوصول إلى الفهم الأفضل لهذا الكتاب، يتعيّن علينا أن نضعه في قرينة النُبُوّات المسيحيّة الباكرة. لا بُدّ أن يُوحنا قد تصرّف كالمعتاد باعتباره نبيّ خلال خدمته بالكنائس التي كتب إليها. إن الرسائل السبع التي وجّهها الكاتب إلى الكنائس تشي بمعلومات تفصيليّة عن كل كنيسة من هذه الكنائس المحليّة، ومن المحتمل أن 2: 21 تشير إلى إحدى نُبُوّاته الباكرة التي أرسلها الكاتب إلى النبيّة الكذّابة التي كانت تعيش في ثياتيرا، والتي يُطلق عليها يُوحنا اسم «إيزابل». من الواضح إذن أن يُوحنا لم يكن غريبًا عن هذه الكنائس، بل إنّه كان على دراية جيدة بها لكونه مارَس خدمةً نبويّة فيها من قبل.
ولأنّ المسيحيين الّذين مارسوا التنبؤ كانوا يمارسونه خلال اجتماعات العبادة، لذا يتوجّب علينا أن نفترض أن يُوحنا كان يمارسُ خدمة التنبؤ خلال العبادة المسيحيّة. إن قراءة هذه النُبُوّة المكتوبة خلال خدمة العبادة (1: 3) كان بديلًا عن حضور يُوحنا المُعتاد لكي يُمارس التنبؤ حاضرًا. كان من المعتاد في الكنيسة الباكرة أن يتلقّى الأنبياء ما يُوحى إليهم من الله خلال اجتماعات العبادة. لقد كانوا يعلنون هذه الإعلانات بالضبط تمامًا كما جاءت إليهم (قارن كورنثوس الأُولى 14: 30؛ تفويض هرماس 11: 9). لقد أخذت تلك النُبُوّات شكل كلمات الله المنطوقة للكنيسة المحليّة، بوحيٍّ من الروح القدس، وفي اسم يسُوع المُقام من بين الأموات (أو باسم الله)، لذا فإنّ كلمة «أنا» التي تمتلئ بها النُبُوّة تعود على الشخص الإلهيّ الذي يُرسل برسالته إلى الكنيسة من خلال النبيّ (قارن قصائد سليمان 42: 6). ويبدو أن أنبياء الكنيسة الباكرة قد تسلّموا إعلانات رؤيويّة ثُم نقلوها إلى الكنيسة فيما بعد في صورة تقرير عن تلك الرؤى (قارن أعمال الرسُل 10: 9 – 11: 18؛ رُؤيا هرماس 1-4). في مثل هذه الحالة كانت الرؤيا بمثابة خبرة خاصة بالأساس حتى مع حدوثها خلال اجتماعات العبادة الكنسيّة، وبالتالي فقد كان التقرير عن تلك الرؤيا يضعها في مكان النُبُوّة. يُمكن لنا أن نضع تمييزًا – مفيدًا لكن ليس مُطلقًا- بين نوعيْن من النُبُوّات: الوحيّ الذي يُنطق به باسم الله أو باسم المسيح، والرؤى التي يتسلّم الأنبياءُ الإعلانات من خلالها فيمرّرونها للآخرين. إن سفر الرؤيا في مُجمله ما هو إلا تقرير رؤيويّ عن الإعلان، لكنه يحتوي أيضًا -في ذاته- على النُبُوّة. نرى هذه النُبُوّة في مُقدّمة الكتاب (1: 8)، وفي الخاتمة (22: 12-13، 16، 20)، وفي الرسائل السبع إلى الكنائس (2: 1-3: 22). إنها وحيٌ مكتوب باعتباره كلمة المسيح الخاصة للكنائس (2: 1-3: 22)، كما نرى النُبُوّة أيضًا على طول السفر (مثلًا 13: 9-10؛ 14: 13ب؛ 16: 15)، وهناك أيضًا مقاطعٌ نبويّة تتخلّل كتاب الرؤيا وتتناثر به هنا وهناك.
وما دام سفر الرؤيا يتشابه في الكثير مع النُبُوّات، فلعلّ يُوحنا قد تسلّم هذا السفر بطريقة فرديّة وشخصيّة. ولو كان الأمر كذلك لصار سفر رُؤيا يُوحنا أكثر وضوحًا وقابليّة لأنّ يُدرس دون كلّ النُبُوّات المُعاصرة له. لقد كُتب سفر الرؤيا كعمل أدبيّ بعناية ومهارة فائقتيْن. يتعيّن علينا ألا نشك البتة أن يُوحنا كان له خبراتٌ رؤيويّة رائعة، لكنه احتفظ بها حتى جاء موعد كتابتها كعمل أدبيّ بديع لا يجسّد خبرته، بل يهدف إلى توصيل معاني الرؤيا التي تجلّت له. لا شكّ أن سفر الرؤيا كعمل أدبيّ قد كُتب بغرض قراءته شفهيًا (1: 3)، لكنه باعتباره عمل أدبيّ مُعقّد كثيف المعاني ويعجُّ بوسائل الإيضاح يختلف نوعيًّا عن تلك النُبُوّات المسيحيّة الشفاهيّة الباكرة التي اتّسمت بالإلقاء الشفاهيّ العفويّ.
لأجل ذلك فرُبّما لم يكتب يُوحنا نُبُوّاته إلا بسبب غيابه بالجسد عن الكنيسة. لقد كتب من جزيرة بطمس (1: 9) وهي جزيرة غير مأهولة بالسكان تقع بالقرب من ساحل أفسُس. صار الافتراض الغالب أن هذا العدد يبيّن أن يُوحنا كان منفيًّا هناك رُبّما بسبب الاضطهاد أو كعقوبة قانونيّة. رُبّما كان أحد الافتراضيْن صحيحًا، ورُبّما ذهب يُوحنا إلى بطمس باختياره لكي يتلقّى هناك رُؤياه «كُنتُ فِي الجَزِيرَةِ التي تُدعَى بَطمُسَ مِن أَجلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِن أَجلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ المَسِيحِ». من الممكن أن تشير كلمات 1: 9 إلى ما ورد سابقًا في آية 2 حيث تصف تلك الكلمات «ما رآه»، لكن من ناحية أُخرى لاحظ 6: 9؛ 20: 4.
ومع أن مُعظم النُبُوّات المسيحيّة الباكرة كانت شفويّة وليست مكتوبة، إلا أن يُوحنا كان لديه ما يكفي من نماذج النُبُوّات المكتوبة، سواءً كانت تلك النُبُوّات واردةً في الكتب النبويّة (أسفار العهد القديم العبريّة) أو في الكتابات الرؤيويّة اليهوديّة المتأخّرة. يجادل العلماء بشأن السؤال الخاص بمكان ورود الأشكال الأدبيّة الواردة في رُؤيا يُوحنا: أجاءت في الأسفار العبريّة أم في الكتابات الرؤيويّة. من الواضح أن يُوحنا كان يعتبر نفسه، ليس فقط واحدًا من الأنبياء المسيحيين، بل مُدافعًا عن التقليد النبويّ الوارد في العهد القديم. على سبيل المثال، لقد سمع يُوحنا في 10: 7 أنّه «فِي أَيَّامِ صَوتِ المَلاَكِ السابعِ مَتَى أَزمَعَ أَن يُبَوِّقَ، يَتِمُّ أَيضًا سِرُّ اللهِ، كَمَا بَشَّرَ عَبِيدَهُ الأَنبِيَاء». إن الإشارة إلى نُبُوّة العهد القديم قاطعة (والتلميح هنا إلى عاموس 3: 7)، لكن يُوحنا يمضي في طريقه ليسجّل لنا نُبُوّته الخاصة به (10: 8-11) بنفس الشكل الذي بنى به حزقيال كتاباته النبويّة (حزقيال 2: 9 – 3:3). إن مهمة يُوحنا هي إعلان ما سبق أن كشفه الله قديمًا لعبيده الأنبياء. وبالرغم من أن كتاب رُؤيا يُوحنا يخلو من الاقتباسات المُباشرة إلا أنّه كتابٌ مُشبع بأصداء (حرفيًا إلماعات إلى) نُبُوّات العهد القديم. وكنبيّ، لم يكن يُوحنا مُحتاجًا إلى الاقتباس من سابقيه إلا أنّه نقل عنهم وأعاد شرح نُبُوّاتهم، تمامًا كما فعل الكُتّاب المُتأخّرون في العهد القديم الّذين أعادوا شرح نُبُوّات سابقيهم وكتاباتهم. على سبيل المثال، فإنّ الحقيقة الواضحة الخاصة بالنُبُوّة العظيمة ضد بابل (18: 1-19: 8) تعكس تمامًا كل الكتابات النبويّة الخاصة ببابل في العهد القديم مثل النبوتيْن الخاصتيْن بصور.[1] يبدو أن يُوحنا لم يكتب فقط في التقليد الخاص بنُبُوّات العهد القديم بل لعلّه رأى في نفسه وفي كتاباته أنّها تأتي على قمة هذا التقليد حيث تتحرك نُبُوّاته نحو التحقيق الاسخاتولوجي النهائيّ، وحيث يجمع الرسول هذه النُبُوّات ويُفسّرها في رُؤياه النبويّة. إن ما جعل من يُوحنا نبيًّا مسيحيًّا هو قيامه بذلك العمل في نور التحقيق الكامل لنُبُوّات العهد القديم التي تحقّقت بانتصار حمل الله؛ يسُوع المسيّا.
سفر الرؤيا ككتاب رُؤيوي
هناك تمييزٌ كتابيّ في الأوساط اللاهوتيّة بين نُبُوّات العهد القديم من جهة وبين الكتابات الرؤيويّة اليهوديّة من جهة أخرى؛ تلك الكتابات التي تحتوي على سفر دانيآل الوارد في العهد القديم جنبًا إلى جنب مع سفر أخنوخ الأوّل وعزرا الرابع وباروخ الثاني. إن المدى والاستمراريّة وأوجه الشبه والاختلاف بين النُبُوّة والرؤيويات هي أمورٌ جدليّة بشكلٍ كبير، وهذا التمييز يعني أن العلاقة بين سفر الرؤيا من جهة والكتابات الرؤيويّة اليهوديّة من جهة ثانية كانت أيضًا مثار جدلٍ كثير. لقد وصل الجدل في هذا الموضوع إلى طريق مسدود، مع أن يُوحنا نفسه استطاع التمييز بين الرؤيويات والنُبُوّة كما لم يفعل العلماءُ المحدثون. وسفر دانيآل، وهو واحد من أسفار العهد القديم الأساسيّة التي استخدمها يُوحنا كأحد المصادر لكتابة رُؤياه، هو بالحقيقة سفر نبويٌ أيضًا. فلو كان الكاتب قد اطّلع على أيٍّ من الكتابات الرؤيويّة (وهو غالبًا قد فعل ذلك)، فرُبّما نظر إلى تلك الكتابات النبويّة باعتبارها شكل من أشكال النُبُوّة. إن سفر الرؤيا يشترك مع الكتابات الأخرى فيما يسمى الأشكال والتقاليد «الرؤيويّة» إذ يستخدم يُوحنا هذه الكتابات كمركبات للنُبُوّة وكاستمرار لنُبُوّات العهد القديم.
وما زال السؤال قائمًا: بأيّ شكل ينتمي سفر الرؤيا إلى الأدب الديني القديم الذي يسمّونه «الرؤيويات»؟ يُعرّف جيه كولنز J.J. Collins أدب الرؤيويات قائلًا: «إنّ الأدب الرؤيوي هو الأدب المُتعلّق بالكشف أو الإعلان الذي يأتي في إطار من الرواية، وفيه تقع الرؤيا في مكان متوسط بين الإنسان الذي يحمل الرؤيا من العالم الآخر والشخص الذي يستقبل الرؤيا، عندئذ ينفض اللثام عن الحقيقة العُليا التي تتميّز بزوالها بنفس القدر الذي تراعي الخلاص الاسخاتولوجي، وتتميّز بكونها محدودة بالمكان بقدر ما تنتمي إلى العالم الآخر فوق الطبيعي».[2]
إنّ الإشارة إلى الخلاص الاسخاتولوجي كان مثارًا للنزاع الفكريّ في بعض الدراسات الرؤيويّة الحديثة. ومع أن العلماء يعتبرون الرؤيويات دراساتٍ تتعلّق بالتاريخ البشري وأحداثه النهائيّة، إلا أن هذا التعريف ليس صحيحًا بالمطلق بالنسبة للتاريخ ونهايته. لقد كُشفت الأسرار السماويّة للرائي كامتداد للرؤيويات اليهوديّة التي تغطي مجالًا واسعًا من الموضوعات التي لا تنحصر في مجاليّ التاريخ والاسخاتولوجي فقط.[3] ومع ذلك فرُؤيا يُوحنا لا تتعرّض إلا لموضوع الاسخاتولوجي: فالخلاص والدينونة الأخيرة هُما المُكوّنان الرئيسان لرُؤيا يُوحنا وهُما معًا يُؤثّران على الموقف الحاليّ الذي يكتب فيه الرائي. إن الرؤيا السماويّة التي تلقّاها الرائي تهتم برصد النشاط الإلهيّ في التاريخ البشريّ الذي يمضي بالعالم إلى القصد الاسخاتولوجي النهائيّ. بكلماتٍ أُخرى، إن اهتمام يُوحنا هو اهتمامٌ نبويّ على وجه الحصر، ويستخدم يُوحنا الأسلوب الرؤيوي كأداة لتوصيل النُبُوّة كما لم تفعل مُعظم الكتابات اليهوديّة الرؤيويّة. لذا فمن الأفضل أن نسمّى كتاب يُوحنا «الرؤيا النبويّة» أو «النُبُوّة الرؤيويّة». بهذه الصّفة من الواضح أن كتاب يُوحنا يمكن أن يتناسب مع تعريف الرؤيويات الذي قدّمه كولنز أعلاه، ولن يكون من الصّعب علينا أن نتفهّم العلاقة التي تربط بينه وبين الرؤيويات اليهوديّة، وفي نفس الوقت ندرك أن الكتاب يُمثّل استمراريّة للكتابات النبويّة في العهد القديم.
هناك أمورٌ كثيرة تجعل من كتاب يُوحنا عملًا أدبيًّا ينتمي إلى فئة التقليد الرؤيويّ.[4] إن يُوحنا يستخدم أشكالًا أدبيّة مُحدّدة وعناصر مُعيّنة من الأدب الرؤيوي التي يمكن تتبُع تطوُّرها في الرؤيويات اليهوديّة. وهناك أسباب مهمة جداّ لتوضّيح طريقيْن يجعلان من رُؤيا يُوحنا عملًا أدبيًّا رؤيويًّا يهوديًّا.
في المقام الأوّل يُعتبر كتاب يُوحنا رؤيويًا نبويًّا إذ يكشف لهذا العالم ما هو سماوي. وهو عمل نبويّ لأنّه كتابٌ مُرسل إلى جماعة مُعيّنة تحيا ظروفًا تاريخيّة بعينها؛ فلقد أُرسل الكتاب إلى المسيحيين في مقاطعة آسيّا التي كانت خاضعة للرومان في نهاية القرن الأوّل للميلاد. يحتوي هذا الكتاب على كلمة نبويّة إلهيّة للقُرّاء لكي يتمكّنوا من تمييز الغرض الإلهيّ لحياتهم ثم ليستجيبوا لهذا الغرض. هذا التواصل القرينيّ contextual communication بالغرض الإلهيّ يتطابق مع التقليد النبويّ الكتابيّ. لكن كتاب يُوحنا عملٌ رؤيويّ أيضًا، لأنّ الوسيلة التي يستخدمها الرائي لتمكين القرّاء من رؤية غرض الله لحياتهم في نور النُبُوّات هي كشف محتوى الرؤيا حيثُ أُخذ يُوحنا بالروح خارج عالمنا المنظور إذ استطاع أن يُعاين بطريقة مُختلفة. من هذه الزاوية ينتمي كتاب يُوحنا للرؤيويّات والكشف حيث أُخذ الرائي في رُؤيا لحجرة العرش الإلهيّ في السماويّات لمُعاينة أسرار الله ومقاصده (قارن مثلًا أخنوخ الأوّل 14-16؛ 46؛ 60: 1-6؛ 71؛ أخنوخ الثاني ١-٢٠؛ رُؤيا إبراهيم ٩-١٨).
لقد أُخذ يُوحنا (ومن ثمّ قُرّاؤه) إلى السماويّات حيث عايَن عالمنا من منظورٍ سماوي. أخذ الرائي لمحةً خلف مشاهد التاريخ البشريّ فرأى الحقيقة خلف مُجريات أمور العالم (في زمانه ومكانه). كذلك نُقل يُوحنا في رُؤياه إلى نهايات الزمان والتاريخ البشرييْن حيث تمكّن يُوحنا من رؤية الحاضر من منظور النهاية والغرض الإلهيّ الأخير للتاريخ الإنساني. يستطيع المرءُ أن يقول إن رؤى يُوحنا قد أدت إلى توسيع عالم القُرّاء السماويّ وعالمهم الأرضيّ (إذ دخلوا إلى المستقبل الاسخاتولوجي). بكلماتٍ أخرى، لقد فتح يُوحنا برُؤياه عالم القُرّاء على العالم الإلهيّ. إن القيود والربُط التي كانت تقيّد القُراء بالفكر والقُوّة الرومانيّة قد تحطّمت وتمزّقت، وانفتح العالم الأرضيّ على القصد الأبديّ الأعظم الذي وضعه خالقُه وربُّه. إن «هنا والآن» ليسا متروكين خلف ظهورنا للهروب إلى العالم السماويّ أو إلى الأزمنة الأخيرة، بل إن «هنا والآن» تصبح مُختلفة جدًا عندما يُنظر إليهما من وُجهة النظر السماويّة.
إن رؤية العالم من وُجهة نظر سماويّة في الفكر الرؤيويّ هي بمثابة إدخال قُرّاء يُوحنا إلى عالمٍ رمزيّ جديد، إذ استطاع يُوحنا، ببراعته الفنيّة، أن يرسم الطريق لقُرّائه.[5] إنّه لم يكن عالمًا مُختلفًا أو جديدًا. لم يكن ذلك العالم هو العالم المادّيّ لقُرّاء يُوحنا الرائي، بل العالم اليوميّ المرئيّ من جهة الاسخاتولوجي و السماويّ. وكما سنلاحظ بأكثر تفصيل فيما بعد، كانت وظيفة هذه الرؤيا مُقاومة النظرة الامبرياليّة (التوسعيّة) الرومانيّة لهذا العالم. كان التصوُّر الأيديولوجيّ (الفكريّ) السائد هو ما مال إلى تبنيه قُرّاءُ يُوحنا. إن سفر الرؤيا يُقاوم هذه النظرة الخاطئة للحقيقة من خلال الباب المفتوح على العالم الإلهيّ العلوي، فالرؤيا المنقولة عن السماويّات قد تمّت مُشاركتها من خلال الأدب الرؤيويّ؛ رؤيا حجرة العرش الإلهيّ، الملائكة الوُسطاء في توصيل الرؤيا، رؤى رمزيّة للسُلطات السياسيّة، الدينونة الوشيكة والخليقة الجديدة. إن كُلّ هذه الأمور تخدم الغرض اليُوحناوي الذي يهدف إلى الكشف عن العالم الذي يحيا فيه قُرّاء يُوحنا الّذين يعيشون القصد الإلهيّ لحياتهم.
أمر ثانٍ مهم يُميّز سفر الرؤيا باعتباره أحد الكتابات الأدبيّة اليهوديّة الرؤيويّة؛ إنّه يُعالج إجابة سؤال لطالما شغل تفكير كلّ من جاء بعد يُوحنا: من هو ذاك الإله الذي يحكم هذا العالم ويسود عليه؟ بقدر ما كانت الرؤيويات اليهوديّة تواصل مُؤازرتها للأسفار النبويّة في العهد القديم، بقدر ما كانت مُهتمة بتبيان عدم إتمام المواعيد الإلهيّة بعد؛ تلك المواعيد التي جاءت في كلمة الله من خلال الأنبياء لتتوعّد الأشرار بالدينونة ولتعد المؤمنين بالمجازاة والمكافأة، ولتقيم الحكم الإلهيّ العادل للعالم كله. إن البار يتألم ويعاني بينما يعيش الشرير في رفاهية وترف: يبدو ظاهريًّا أن العالم محكومٌ بواسطة الشرير وليس بواسطة الله! أين هو ملكوت الله؟! لقد سعت الكتاباتُ الرؤيويّة إلى إبقاء الإيمان بالله الواحد كُليّ القوة وكُليّ البر حيًّا، في مقابل الحقائق الصّعبة الموجودة في هذا العالم لا سيّما الشر السياسيّ الذي يُواجه شعب الله الوفي لإلهه في الامبراطوريات الوثنيّة الكبيرة. إن الإجابة الدائمة على هذا السؤال هي: بالرغم من وجود كلّ الأمور الشريرة الظاهرة إلا أن الله ما زال يحكم هذا العالم ويسيطر على خلائقه، وسرعان ما سيأتي التوقيت الإلهيّ الذي فيه سيطرح الله تلك الامبراطوريات الشريرة خارجًا ويُقيم ملكوته بدلًا منها.[6] تعلن رُؤيا يُوحنا، بوسائل كثيرة ومهمّة، هذا الفكر الرؤيويّ الأساسيّ. إن يُوحنا يُعلن هذا الصّراع بين الحكم الإلهي للعالم من جهة وهيمنة الامبراطورية الرومانيّة من جهة ثانية. لقد نسبت السلطات الرومانيّة لنفسها هذه السيطرة الإلهيّة نظرًا للنجاحات الفائقة التي حقّقتها في المجالات العسكريّة والاقتصاديّة. إن يُوحنا يواجه هذا السؤال: من هو، إذن، السيد الحقيقيّ لهذا العالم؟ إن كتاب يُوحنا يُماثل غيره من الكتابات الرؤيويّة في طرح هذا السؤال المهم المُتعلّق بهذه المعضلة اللاهوتيّة، سيتحقّق الانتصار الإلهيّ النهائيّ على كُلّ قوى الشر وسوف يقيم الله ملكوت البر الذي لا ينتهي. كيف يتعامل يُوحنا الرائي مع هذه المعضلات؟ إن طريقته مميّزة حقًا كما سنرى فيما بعد، لكن هذا التميُّز نابع من استمراريّة يُوحنا في التعاطي مع هذه الأسئلة بنفس الطريقة التي تعامل بها قبلًا الأدبُ الرؤيويّ اليهوديّ.
الاختلافات بين رُؤيا يُوحنا وغيرها من الأدب الرؤيوي
عندما نصل إلى القناعة الكاملة بأنّ رُؤيا يُوحنا تنتمي إلى الأدب الرؤيويّ يتعيّن علينا أن نلاحظ أمريْن أساسييْن جدًا يتميّز بهما هذا الكتاب مُقارنةً مع سائر الكتابات الرؤيويّة الأخرى. الأمر الأوّل نادرًا ما يُلاحظ: الاستخدام اليُوحناوي الغزير جدًا للصور التي يرسمُها الرائي بالكلمات. صحيح أن الرؤى المُصوّرة هي إحدى الخصائص المهمّة لهذا النوع من الكتابات الأدبيّة، لكن في الكتابات الرؤيويّة الأخرى تقف «الصّور» على قدم المساواة في الأهميّة مع الأشكال الأدبيّة الأُخرى التي تظهر في تلك الكتابات. هناك دائمًا حوارات طويلة بين الرائي وبين الشخص السماويّ الذي يُميط اللثام له (سواء أكان هذا الشخص ملاكًا أم الله بذاته)، وبذا تنتقل المعلومات في مُفردات تختلف تمامًا عن الصّور المرسومة التي يعج بها سفر الرؤيا. (قارن مثلًا عزرا الرابع 3-10؛ باروخ الثاني 10-30). هناك مقاطع طويلة من النُبُوّات التي رواها الأنبياء (راجع مثلًا دانيآل 11: 2-12: 4) بينما لا يوجد إلا القليل منها في سفر الرؤيا (قارن 11: 5-13؛ 20: 7-10). إن نسبة الرموز والصّور البصريّة في سفر الرؤيا أكبر منها بكثير في الرؤيويات الأخرى. لكن هناك اختلافًا آخر بجانب اختلاف كميّة الصّور البصريّة: إن تلك الصّور في الكتابات الرؤيويّة تأتي، عادةً، مصحوبةً بتفسيراتها التي يُقدّمها الملاك للرائي (لاحظ مثلًا عزرا الرابع 10: 38-54؛ 12: 10-36؛ 13: 21-56؛ باروخ الثاني 56-74)، أمّا التفسيرات الملائكيّة فنادرة جدًا في سفر الرؤيا (7: 13-14؛ 17: 6-18) إذ أن هذه الصّور البصريّة في سفر الرؤيا تأتي بالوصف التفصيليّ لها، ممّا يجعلها تحمل بذاتها المعاني المقصودة من ورائها. لذا فإنّ هذه الصّور تحمل فائضًا من المعاني التي لا تستطيع ترجمات الكتاب أن تنقلها بالكامل للقُرّاء في اللغات المعاصرة.
والأكثر من ذلك أن نوع الصّور البصريّة التي توجد في الكتابات الرؤيويّة قصيرة ومُوجزة ومُتركّزة في قسمٍ واحد من الكتاب الرؤيويّ (قارن دانيآل 7: 8؛ عزرا الرابع 10؛ 11-12؛ 13). إن الصّور التي تنتشر في تلك الكتابات غريبة وغير متكرّرة في الأجزاء الأخرى من الأسفار الرؤيويّة. على النقيض من ذلك فإنّ سفر الرؤيا يُشكّل بالحقيقة رُؤيا واحدة (من 1: 10-22: 6). والصّور التي يستخدمها كتاب يُوحنا الرائي مألوفةٌ للجميع. من وقت إلى آخر يتغيّر المشهد وتُقدّم صورٌ جديدة للقارئ، لكن بمجرد أن تُقدّم تلك الصّور تستمر في الظهور والتكرار في باقي أجزاء السفر. لذا فسفر رُؤيا يُوحنا يخلق أمامنا كونًا رمزيًّا واحدًا يحيا فيه القُرّاء. إن وفرة الصّور البصريّة بالإضافة إلى وحدة واستمراريّة تلك الصّور عبر السفر كلّه يُعطيان تميُّزًا لسفر الرؤيا مُقارنةً بأدبيّات الرؤيويات الأخرى.
من الصّعوبة بمكان وصف هذا الخيال البصريّ القويّ المُتميّز الذي تمتّع به يُوحنا، فقوة ووفرة وتناسق الصّور والرموز في سفر الرؤيا له أغراضه اللاهوتيّة والأدبيّة. إن الصّور تخلق للقارئ عالمًا رمزيًّا حيث يستطيع الدخول فيتأثّر بها ويتغيّر إدراكُه للعالم. إن معظم «قُرّاء» سفر الرؤيا كانوا أصلًا «مستمعين» فقط. وكما قلنا، لقد صُمّم (كُتب) سفر الرؤيا ليُقرأ شفويًا خلال خدمات العبادة المسيحيّة (لاحظ 1: 3)[7]، لذا فإنّ تأثيراته يُمكن أن تُقارن نوعًا ما بالأداء الدراميّ أو المسرحيّ حيث يُدخَل المستمع إلى عالم الدراما طوال مدّة (قراءة) السفر، كما أن إدراك المستمعين للعالم من حولهم سوف يتغيّر تمامًا من خلال الدراما المُقدّمة لهم. إن الكثير من الكتابات الرؤيويّة رُبّما يكون لها بعضٌ من مثل هذا التأثير، لكن خاصيّة الطابع البصريّ في سفر الرؤيا وكذا الوحدة الرمزيّة تُعطي للقُرّاء إمكانيّاتٍ أفضل للتواصُل في هذا المجال. إنها إحدى سمات هذا الكتاب الجميل الذي نتناوله الآن.
أمّا الخاصيّة الأدبيّة الثانية التي تميّز سفر الرؤيا عن سائر الكتابات اليهوديّة الرؤيويّة فهي: على عكس تلك الكتابات فإنّ سفر الرؤيا ليس منحولًا Pseudepigraphal إذ لم يكتب الكُتّاب اليهود كتاباتهم تحت أسمائهم الحقيقيّة، بل وضعوا كتاباتهم تحت أسماء قُدامى الرواة الّذين وردت أسماؤُهم في التقليد الكتابيّ من أمثال أخنوخ وإبراهيم وعزرا. إن شرح ظاهرة الانتحال (أن ينسب الكاتب كتابه إلى أشخاص آخرين) ليس بالأمر اليسير، [8] لا أعتقدُ بالمرّة أن الكُتّاب اليهود قصدوا أن يخدعوا قُرّاءهم، بل رُبّما كان الاحتمال الأكبر أنّهم أرادوا إعطاء سُلطة للتقاليد القديمة التي ترسّخت قناعاتهم عليها بدلًا من نسب تلك الكتابات لأنفسهم ككُتّاب. لكن ظاهرة الانتحال لها أهميّة وقيمة أدبيّة أساسيتيْن جدًا، وهي أن كُتّاب الرؤيويات قد وضعوا أنفسهم (مجازيًّا أو خياليًا) في مكان وزمان الرواة القُدامى. لقد كتب الرؤيويون إلى معاصريهم حقًا، وكتبوا وجهات نظرهم بخصوص بعض المواقف المُعاصرة فعلًا، لكنهم لم يكن في استطاعتهم أن يفعلوا ذلك صراحةً. لذا قاموا بمهمتهم بعد أن تقمصّوا دور الرائي القديم الذي يستشرف أحداث المستقبل ويتنبّأ بها، بينما كان الكُتّابُ المُعاصرون بالحقيقة يتكلّمون عن زمانهم (ككُتّاب وقُرّاء) بأحداثه وصراعاته ومشكلاته.
وعلى العكس من ذلك فقد كتب يُوحنا الرائي كتابه باسمه الحقيقيّ. وبكل تأكيد كان يُوحنا واعيا وعارفًا بالكتابات اليهوديّة الرؤيويّة، خاصّة تلك التي كتبها أنبياء العهد القديم، لكنه اعتبر نفسه نبيًا يُواصل مسيرة هذا التقليد النبويّ اليهوديّ. ولأنّ يُوحنا كان يقف على قمة هذا التراث الأدبيّ الرؤيويّ وكذلك على حافة التحقيق الأخير للوعود النبويّة القديمة، فقد اعتبر أن سلطته النبويّة أكبر من تلك التي تمتّع بها أسلافُه. بطبيعة الحال لم يكن يُوحنا ينظر لهذه السلطة على أنّها نابعة من ذاته، بل هي نابعة من إعلان يسُوع المسيح الذي يحمله هو باعتباره شاهد نبويّ (1:1-2)، لكن وعيه النبويّ قاده للشعور بأنّه يقف على قدم المساواة مع إشعياء وحزقيال ودانيآل وغيرهم، وأعطاه أن يرفض فكرة الانتحال إذ لا حاجة له بها، بل أن يكتب لنا باسمه هو (1:1، 4، 9؛ 22: 8)، وأن يقدّم لنا نُبُوّته الخاصّة المُكلّف بحملها لنا (1: 10-11، 19؛ 10: 8-11).
ومن المفيد أن نقارن ما ورد في 22: 10 مع الأعداد التي كُتبت على غرارها هذه الآيات (والتي وردت في خاتمة سفر دانيآل). إن كتاب دانيآل هو الكتاب الرؤيويّ الذي يدين له بالكثير يُوحنا الرائي.[9] قال الملاك لدانيآل: «أَمَّا أَنتَ يَا دَانِيآلُ فَأَخفِ الكَلاَمَ وَاختِمِ السفرَ إِلَى وَقتِ النهَايَةِ ... اذهَب يَا دَانِيآلُ لأَنَّ الكَلِمَاتِ مَخفِيَّةٌ وَمَختُومَةٌ إِلَى وَقتِ النهَايَة» (دانيآل 12: 4، 9). إن رؤى دانيآل تتعلّق بالمستقبل البعيد الذي تطلّع دانيآل إليه، وكانت نبوتًه سرّيّة ومُخفاة في درجٍ مختوم حتى يأتي وقت النهاية عندما يكون الناس في تلك الآونة قادرين على الاستيعاب والفهم. لكنّ ملاك يُوحنا يُعطي للرائي تعليماتٍ مُختلفة (لاحظ مثلًا ١: ٣؛ 22: 10) «وَقَالَ لِي: «لاَ تَخْتِمْ عَلَى أَقْوَالِ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ». إن نُبُوّة يُوحنا قريبة ووثيقة الصّلة جدًا بمُعاصريه، فلم يقصد يُوحنا بنُبُوّته أن تتعلّق بالمستقبل البعيد ولم يكن في نيته الابتعاد عن العصر الذي عاشت فيه الكنائس السبع التي في آسيّا. من هذا المنطلق يُثير يُوحنا هذه الفكرة في افتتاحيّة كتابه: «أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ وَشَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ وَفِي مَلَكُوتِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَصَبْرِهِ. كُنْتُ فِي الْجَزِيرَةِ الَّتِي تُدْعَى بَطْمُسَ مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيح» (1: 9)، ولأجل هذا السبب أيضًا لا يُقدّم يُوحنا رسالته للكنائس السبع التي في آسيّا فقط (1: 4، 11) وكذا (ص 2، ص 3)، بل إنّه يُقدّم لمعاصريه ولتلك الكنائس كُلّ كتابه، إذ أن يُوحنا يعتقد أنّه وقُرّاءه يعيشون أحداث النهاية وأنّ حروب نهاية العالم قد باتت وشيكة.
يُوضّح هذا الحديث اليُوحناوي، شديد المعاصرة لجيله، أن يُوحنا يستطيع أن يكتب صراحة عن المواقف الحقيقيّة المُعاصرة للقُرّاء، وليس فقط بانفتاح وصراحة بل أيضًا بقُوّةٍ وبطريقة عمليّة أكثر ممّا كان يُمكن أن يفعله الرؤيويّون القُدامى لو أنّهم هُم الّذين كتبوا (أو لو أن يوحنا نفسه كتب باسم مُستعار من أسماء الرؤيوييّن القُدامى). هذا يصل بنا إلى السمة الثالثة التي تميّز سفر الرؤيا، ألا وهي سفر الرؤيا باعتباره رسالة.
سفر الرؤيا كرسالة دوريّة
إنّ كتاب الرؤيا بجملته هو رسالة دوريّة أُرسلت للكنائس السبع التي في آسيّا الصّغرى (تركيا الحاليّة): «إِلَى السبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: إِلَى أَفَسُسَ، وَإِلَى سِمِيرْنَا، وَإِلَى بَرْغَامُسَ، وَإِلَى ثَيَاتِيرَا، وَإِلَى سَارْدِسَ، وَإِلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإِلَى لاَوُدِكِيَّةَ» (1: 11 قارن أيضًا 1: 4؛ 22: 16). ورُبّما تُذكر أسماء الكنائس السبع بحسب الترتيب الذي اتّبعه الرسول حينما بدأ تجواله ابتداءً من بطمس إلى هذه المدن التي تقع على مُحيط الدائرة الجغرافيّة. إن قراءات خاطئة كثيرة، لا سيّما تلك التي تفترض أن سفر الرؤيا لم يُرسل إلى قُرّاء القرن الأوّل الميلاديّ ولا يمكن أن يفهمه إلا قُرّاء القرون اللاحقة، قد نتجت عن إهمال حقيقة أن هذا السفر رسالةٌ دوريّة.
و السمة الأساسيّة لهذا الأسلوب الأدبيّ هو تمكين الكاتب من تحديد هُويّة وخصائص وظروف القُرّاء الّذين يكتب رسالته إليهم. إن النوعيّات الأُخرى من الآداب تُكتب، عادةً، وتُوجّه إلى القُرّاء الّذين لا يُعرف عنهم الكثير. رُبّما كانت تلك الرسائل تدخل ضمن الاهتمام الأساسيّ للقّراء من خارج دائرة المرسل إليهم كما تنال استحسانهم وتقديرهم. هذه هي الطريقة التي بها صارت بعضُ الكتابات الرسوليّة (ككتابات الرسول بُولُس مثلًا) رسائل دوريّة قرأتها كنائس كثيرة أكثر من تلك الرسائل التي كانت مُرسلة أصلًا إلى كنائس بعينها ثم صارت جزءًا من العهد الجديد. رُبّما توقّع كُتّابُ الرسائل أن كتاباتهم قد تُقرأ في بعض المحافل الأخرى غير الكنائس التي أرسلت إليها في الأصل (قارن كولوسي 4: 16) لكن الأمر يبقى كما هو: ان الرسالة قد أُرسلت إلى البعض دون البعض الآخر. إن هذه السمة لا تُقلّل من قيمة الرسالة بالنسبة للقُرّاء من غير المرسل إليهم. وعلى سبيل المثال، تتعامل رسالة كورنثوس مع موضوعات ومشكلات مُحدّدة تخُصّ القُرّاء في فترة زمنيّة مُعيّنة بكنيسة كورنثوس دون غيرها من الكنائس، لكن الرسالة أثبتت كفاءتها وقيمتها في حياة وفكر قُرّاء آخرين كثيرين. يُمكن لهذه الرسالة أن تُقرأ بطريقة مُناسبة متى تشابهت أو انطبقت ظروف القُرّاء المُعاصرين على ظروف القُرّاء الكورنثيين الأصليين للرّسالة. يُمكن للرسالة في مثل هذه الحالة أن تتحدّث إلى القُرّاء المُعاصرين.
إنّ مُحتوى الرسالة الدوريّة لا يُمكن أن يكون مُحدّدًا مثل مُحتوى الرسالة التي تُوجه إلى كنيسة بعينها؛ يحتاج المرء إلى مقارنة رسالة مُحدّدة مع رسالة مثل أفسُس مثلاً (التي رُبّما كتبت كرسالة دوريّة لعدّة كنائس) أو مع رسالة بطرس الأُولى لإدراك الفرق. مع ذلك، ففي سفر الرؤيا تمكّن يُوحنا من كتابة نصٍّ يصلُح كرسالة دوريّة لكنه يُخاطب بطريقة محدّدة كُلّ كنيسة ورد ذكرُها في كتابه. وبينما يُوجّه مُعظمُ كتاب الرؤيا إلى كُلّ الكنائس بلا تمييز، إلا أن سلسلةً من الرسائل المُحدّدة تمّ إرسالُها من المسيح إلى سبع من الكنائس (ص 2، ص 3). إن كلّ رسالة كانت مُرتبطة ارتباطًا وثيقًا بظروف الكنيسة التي كُتبت إليها والتي كان يُوحنا يعرفها جيّدًا. تشي هذه الرسائل بأنّ الكنائس السبع ومشكلاتها وظروفها كانت مُتباينة فيما بينها، كما تكشف أيضًا بأنّ طرق التعامُل مع هذه المشكلات كانت مختلفة. لقد تكلّم المسيح إلى كلّ كنيسة على حدة، لكن هذه الرسائل لم تكن كافية بذاتها بل كانت مُجرد مُقدّمة لباقي السفر.
إذن، فهذه الرسائل السبع المُوجّهة إلى الكنائس هي مُقدّمة لما ورد في بقيّة هذا السفر، ويمكن أن تُدرس في ضوء الوعود التي مُنحت للغالبين الّذين تمّموا رسالتهم: يقدّم المسيح وعدًا بالخلاص النهائيّ لـ «مَن يَغلِب» في كلماتٍ مُحدّدة لتُلائم كلّ كنيسة في ظروفها الخاصة (2: 7، 11، 17، 26؛ 3: 5، 12، 21). لقد كانت الدعوة لكلّ كنيسة أن تمارس حياة الانتصار، لكن معنى هذا الانتصار كان غير محدّدٍ.
إنّ هذا الانتصار يتّضح فقط من خلال قراءة بقيّة الكتاب حينما تظهر المعاناة التي تغلّبوا عليها، وتنكشف مُكونات ومضامين هذا الانتصار. ثم ان صيغة الوعد المُقدّم للمُنتصرين تظهر مرّةً واحدة فقط لكُلّ كنيسة على حدة، وكذلك في رُؤيا أورشليم الجديدة في رُؤيا 21: 7. لذا فإنّ دعوة الانتصار المُقدّمة لكلّ الكنائس المسيحيّة في الأصحاحيْن 2، 3 هي بمثابة دعوة للمشاركة في المعركة الأخيرة التي تُوصف في الأصحاحات الوسطى من الكتاب من أجل الوصول إلى النهاية الاسخاتولوجية الوارد ذكرُها في نهاية الكتاب. إن الرائي يُقدّم طُرُق تحقيق الانتصار ومن ثمّ إمكانيّة الدخول إلى أورشليم الجديدة. وبينما يُوضّح الكتاب ككُلّ سبب المعركة وكيفيّة الانتصار فيها تبيّن الرسائل السبع دور كُلّ كنيسة على حدة في ساحة المعركة.
وعليه، فالرسائل السبع هي بمثابة سبع مُقدّمات مُختلفة لبقية السفر. لقد صمّم يُوحنا الرائي كتابًا غير عاديّ يُمكن أن يُقرأ من سبع زوايا مُختلفة (مع أن الجزء الأساسيّ في السفر تشترك فيه الكنائس السبع جميعُها). ومع أن الجزء الذي يعقُب الأصحاحيْن الثاني والثالث هو جزءٌ غير مُحدّد بظروف كنيسة واحدة، إلا أن هذا الجزء يتحدّث إلى كُل كنيسة وُجدت في الامبراطورية الرومانيّة في نهاية القرن الأوّل الميلاديّ. إن وظيفة الرسائل السبع أنّها مكّنت يُوحنا من الاقتراب المناسب لكُلّ كنيسة من الكنائس السبع في سبع سياقات مُختلفة. كذلك استطاع يُوحنا أن يمزج بين كُلّ رسالة على حدة مع باقي السفر إذ كان يُوحنا مُهتمًا بطغيان روما الكبير وتسيُّدها فوق الجميع. بل والأكثر من ذلك، كان يُوحنا مُهتمًا بالحرب الكونيّة الدائرة بين الله والشر وكذا كان مُهتّمًا بالغرض الإلهيّ الأخير من وراء خلق الله للعالم. بهذه الطريقة، كشف يُوحنا الرائي للمسيحيين، في كُلّ كنيسة، كيف أن الأمور التي تشغل بالهم في كنائسهم المحليّة ترتبط بالمعركة الكونيّة ضد الشر وبالغرض الإلهيّ الاسخاتولوجي لتأسيس مملكة الله، ويجب أن تُفهم كلُّ أمور الكنائس في ضوء هذا الفهم.
إنّ الحقيقة التي مفادها أن يُوحنا قد سيّق contextualizes رسالته النبويّة في سبع سياقات صريحة وذكيّة تُغرينا بأن نُقاوم تعميم رسالة سفر الرؤيا؛ أيّ أن هذا الكتاب قد كُتب فقط من أجل تشجيع وتعزية المسيحيين الذين يجوزون في نيران الاضطهاد عندما يعلمون بأنّ الأشرار الّذين يضطهدونهم سوف تتمُّ مجازاتهم في النهاية. إن قبول هذا التعميم دون فحص أو تمحيص رُبّما يكون صحيحًا متى طبّقناه على الأدب الرؤيويّ ككُلّ.[10] إنّنا لا نشكّك هنا أن الهدف الرئيس للأدب الرؤيويّ هو تقديم التعزية والتطمين للمُتألّمين في مُواجهة ظالميهم، لكن في حالة سفر الرؤيا من الواضح تمامًا -من خلال الرسائل السبع- أن تشجيع المُتألّمين كان أحد احتياجات هذه الكنائس فقط وليس كلّ شيء. إن هذه الرسائل تثبتُ أن يُوحنا الرائي كان يُواجه مواقف مُتنوّعة، وقد عالج هذه المواقف بطُرُق [حكيمة] مُختلفة.
لقد اضطهد النظامُ القمعيّ كُلّ قُرّاء يُوحنا المُعدمين فساوم الكثيرون منهم على إيمانهم. لذا نرى أن السفر لا يُقدّم تطمينات وتشجيعات فقط، لكنه أيضًا يواجه القُرّاء باحتياجهم العميق إلى التوبة، وهكذا يٌقدّم لهم النداء تلو النداء. لهؤلاء المسيحيين -كما لمضطهديهم- يُوجّه يُوحنا إنذارًا بالدينونة وراء إنذار، بشكلٍ واضح، لأنّ عبادة الوحش لم تكن شيئًا قد تورّط فيه أولئك الأعداء فقط بل لقد تورّط فيه بعض «المسيحيين» أيضًا. كانت تجربة عبادة الوحش معروضة دائمًا عليهم فسقط فيها بعضهم وما زال البعض الآخر منهم يبرّرونها (إذ تُلحُّ عليهم النبيّة الشريرة إيزابل التي تسكن ثياتيرا). هكذا نرى أن رسالة السفر يمكن أن تجلب العزاء والتشجيع، أو تحمل تحذيرًا وتحديًا مُؤلّمًا، ويتوقف الأمر على نوعيّة المسيحيين الّذين تخاطبهم الرسالة. والأخطر من ذلك -كما سنرى في الفصل الرابع من الكتاب- فإنّ الدعوات التي يُوجّهها الرائي للكنائس السبع لتحقيق الغلبة والانتصار تحمل كُلًا من التعزية والتحذير في آن. إنها دعوة للمسيحيين أن يضطلعوا بمهمة الشهادة لله ولبرّه، لذا فإن رسالة ذات وجهيْن؛ التعزيّة والتحذير، تلائم جدًا هذا الهدف.
وبمجرد أن يُدرك القارئ خصوصيّة الرسائل المُوجّهة إلى الكنائس السبع يُمكن بعدها أن يُفكّر في السؤال الذي مفادُه: «هل قصد يُوحنا الرائي أن يُوجّه رسالة السفر إلى آخرين أيضًا». لماذا كتب يُوحنا إلى سبع كنائس فقط بالتحديد دون غيرها من الكنائس؟ لا بُدّ أن هذه الكنائس كانت كُلّ الكنائس الموجودة في مقاطعة آسيّا، ولعل يُوحنا كان مُتيقّنًا أن كتابه سوف يُتناقل من كنيسة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر داخل المقاطعة وخارجها. إن النظرة الحاسمة التي يرى بها يُوحنا كتابه باعتباره تتويج لكُلّ الكتابات النبويّة تُفسّر أهميّة هذا الكتاب للكنيسة المسيحيّة العامة، ورُبّما يكون ذلك الأمر هو دلالة للرقم 7 وبالتأكيد سوف نلاحظ جميعُنا الأهميّة القصوى للأرقام في سفر الرؤيا. إن الرقم (7) هو عدد الكمال.[11] وحين يرسل يُوحنا الرائي رسالته إلى السبع الكنائس فكأنّه يُرسل الرسالة إلى جميع الكنائس، إذ أن الكنائس السبع هي بمثابة نماذج للكنائس في كُلّ مكان. إن هذا الاستنتاج مؤكّدٌ بـ «الامتناع» (الّذي يستدعي إلى الذّهن معنى الرقم في النُبُوّات القديمة)، ونرى إشارةً لذلك في القول المتكرّر: «مَن لَهُ أُذُنٌ فَليَسمَع مَا يَقُولُهُ الروحُ لِلكَنَائِس» (2: 7، 11، 17، 29، 3: 6، 13، 22). يبدو أن هذه الوسيلة هي التي استخدمها يُوحنا لدعوة قُرّائه لكي يفحصوا كُلّ ما كُتب للكنائس السبع. وبالقطع، لا يُقلّل ذلك من خصوصيّة المكتوب لكُلّ كنيسة إذ أن الرسالة المكتوبة لهذه الكنائس كانت وثيقة الصّلة بظروف كُلٍ منها على حدة، وهو ما يعني أن كل كنيسة حصلت على رسالة تختص بها على وجه الدقّة نظرًا للتميُّز والخصوصيّة التي تتمتّع بها كل كنيسة على حدة. إن المواقف المُتنوّعة التي كتب عنها الرائي للكنائس السبع تكفي جدًا لكي تغطي ظروف جميع الكنائس المسيحيّة في نهاية القرن الأوّل الميلاديّ، وبالتالي كان يمكن لكلّ كنيسة أن تقيس ظروف الكنائس التي كُتبت الرسائل إليها على ظروفها الخاصة، لكي تجد نفسها في واحدة أو أكثر من تلك الرسائل السبع. كما أن هذه الكنائس وجدت تعليمًا وتعزية وتحذيرًا، إذ صار كلُّ كتاب الرؤيا مُناسبًا لها. في عصور لاحقة تمكّنت الكنائس المسيحيّة من تطبيق نفس الأمر مع مُراعاة الفروق التاريخيّة والحضاريّة بينها وبين الكنائس في العصر الرسولي الأوّل.
الرسم بالكلمات
لاحظنا من قبل الوفرة غير العاديّة للصُور البصريّة في سفر الرؤيا وقدرة تلك الصّور على خلق عالمٍ من الرموز يمكن للقُرّاء الدخول إليه، وبالتالي يمكن لهم التطلُّع إلى تغيير العالم الحقيقيّ الذي يعيشون به. ولكي ندرك أهميّة هذه السمة علينا أن نتذكّر أن قارئ سفر الرؤيا، الذي عاش في مدن مقاطعة آسيّا العظيمة، كان دائم التعرُّض للرؤى والصّور الرومانيّة العظيمة. إن العمارة الرومانيّة، المدنيّة منها والدينيّة، والأيقونات، والتماثيل، والطقوس، والمهرجانات والاحتفالات التي أُجريت في الهياكل الوثنيّة كانت آيات في الهندسة الذّكيّة التي تصل إلى حد الإعجاز (قارن رُؤيا 13:13-14).[12] كانت كل تلك الأشياء تُقدّم انطباعات بصريّة قويّة عن الامبراطورية الرومانيّة وعن «روعة» الديانات الوثنيّة.[13] في هذا السياق، يزوّد كاتب سفر الرؤيا قُرّاءه بمجموعةٍ من الصّور المسيحيّة النبويّة المُضادة التي تطبع على قلوب القُرّاء صورةً مُغايرة للعالم: كيف بدا العالم للرسول يُوحنا حينما أشرف من السماء فرآه في الأصحاح الرابع. إن القُوّة التي صاحبت الصّور البصريّة كانت تهدف إلى تطهير وتجديد الخيال المسيحيّ الذي يرى الفارق بين الصّورة التي يظهر عليها العالم الآن والصّورة المغايرة التي يجب أن يكون عليها. وعلى سبيل المثال، يشارك الرائي القُرّاء في أصحاح 17صورةً لامرأة. ومن الوهلة الأُولى رُبّما ظن البعض أنّها الإلهة روما بكُلّ مجدها إذ كانت روما آنذاك تجسيدًا مُذهلًا للحضارة الرومانيّة كما أنّها كانت تُعبد في كثير من معابد مُدن مقاطعة آسيّا.[14] لقد رآها يُوحنا كالعاهرة، شديدة السحر، كثيرة الإغواء والإغراء، لكن إغراءها خبيثٌ وشرير. لقد حصلت على أموالها من تجارةٍ سيئة السمعة. ولتعزيز هذا الانطباع يُقدّم يُوحنا صورةً كتابيّة للملكة الزانية إيزابل. بهذه الطريقة تمكّن قُرّاء يُوحنا من إدراك شيء عن الشخصيّة الحقيقيّة لمدينة روما وعن فسادها الأخلاقيّ الذي يتستّر خلف أوهام الدعاية التي عجّت بها المدن التي سكنها المسيحيّون.
يجب أن يكون واضحًا أن الصّور في سفر الرؤيا لها «قُوّة تذكير» لقارئ السفر وكذا استدعاء وإثارة لخياله، بهدف المشاركة في العالم الرمزي الذي يرسمه الكاتب. لكن هذه الصّور لا تعمل بمجرّد رسم الصّور بالكلمات، بل ان التكوين الأدبيّ الدقيق كان ضرورة قصوى للحصول على المعنى السليم. في المقام الأوّل، التكوين المُدهش لكتاب الرؤيا خلق شبكةً مُعقّدة من الحالات الأدبيّة مثل التقاطُعات والتوازيات والتناقُضات التي تكوّن أجزاء السفر كما تُكوّن مُجمله. بطبيعة الحال، قد لا يلاحظ القارئ هذه التشكيلات الأدبيّة من القراءة الأُولى أو السابعة أو حتى السبعين. إن هذه التشكيلات هي واحدة من الطرُق التي صُمّمت من أجل أن تُعطي غنى للمعنى بشكلٍ تدريجيّ عند الدراسة المُكثّفة. ثانيًا، لقد لاحظنا أن سفر الرؤيا مُشبّع بالتلميحات اللفظيّة التي استخدمها العهد القديم والتي لم تأتِ بشكلٍ عرضي، بل كانت ضروريّة للغاية من أجل إيصال المعنى. وبدون ملاحظة بعض من هذه التلميحات المفتاحيّة فإنّنا لن نحصل على الفهم الكامل لمعاني هذه الصّور. وكمن يزخرف كتابته الأدبيّة، استخدم يُوحنا العهدَ القديم استخدامًا ذكيًّا ودقيقًا ليخلق هرمًا من المعاني التي يمكن إدراكُها بالتدريج. وغالبًا ما تفترض هذه التلميحات إلى العهد القديم نفس السياقات الموجودة بالفعل في العهد القديم، وكما تفترضُ وجود مجموعة من الصّلات التي تربط بين نصوص العهد القديم التي لم تكن شديدة الوضوح لقُرّاء العهد القديم لكن معانيها تطفو على السطح عند استخدام الرائي لها. رُبّما يخامرنا الشك في إمكانيّة أن يستوعب مؤمنو كنائس آسيّا هذه التلميحات ومعانيها، لكن علينا أن نتذكّر الطابع اليهوديّ القويّ الذي ساد تلك الكنائس ممّا يعني أن العهد القديم كان مألوفًا لديهم رُبّما أكثر ممّا هو مألوف عند المسيحيّ ذي الحظ الوافر من التعليم في أيامنا نحن. علينا أن نتذكّر أيضًا وجود دائرة من الأنبياء المسيحيين في الكنائس (لاحظ 22: 9) الّذين قرأوا ودرسوا وشرحوا رُؤيا يُوحنا، بنفس القوة والاهتمام الذي أعطوه لنُبُوّات العهد القديم.
ومثل الكثير من الصّور الجماليّة المُقتبسة من العهد القديم هناك أيضًا أصداء وصور اقتبسها الرائي من أساطير العالم الذي عاش فيه؛ فالحيّة أو التنين هي مجرد رمز يستخدمه الرائي ليُصوّر الشرير (أصل الشر) في العالم (12: 3 – 9). وهذا الرمز هو نموذج جيد جدًا للرموز التي يعكسها سفر الرؤيا والتي لها جذور كتابيّة (التكوين 3: 14-15؛ إشعياء 27: 1). هذه الرموز كان لها صدى واسع في عقول القُرّاء نظرًا لانتشارها في الأساطير والديانات الرومانيّة.[15] وهناك نوعٌ ثالث من الأصداء التي عاصرها الرائي فاستخدمها في كتابه، هذا الصّدى هو صورة الغزو الآتي من الشرق (9: 13-19؛ 16: 12).
لقد كان لدى يُوحنا الرائي خوفٌ سياسيّ كبير ممّا سيحدث للإمبراطورية الرومانيّة في القرن الأوّل الميلاديّ، لا سيّما بعد تهديد الامبراطورية الباراثيّة بغزوها. إنه نفس الشعور القاسي والغريب الذي ملأ قلوب الكثيرين من قاطني الدول الأوربيّة عند تهديد الاتحاد السوفيتي لها بالغزو إبّان الحرب الباردة (خلال ستينيّات القرن الماضي) رغم أن الأمر بالنسبة لبعض من الخاضعين لسلطان روما الغربيّة رُبّما كان يُمثّل نوعًا من التحرُّر من القمع الرومانيّ. لذا، فعندما يرسم سفر الرؤيا ملوك الشرق وهُم يجتاحون الامبراطورية في تحالف مع «الْوَحْشُ الذي رَأَيْتَ، كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ الْهَاوِيَة» (17: 8) فقد كان ذلك انعكاسًا للأسطورة المُعاصرة التي صوّرت الامبراطور نيرون الذي رآه البعض كطاغية خسيس بينما صوّره آخرون باعتباره المُخلّص حينما تصدّى لقائد جحافل البارثينيين.[16] في مثل هذه الحالة يرسم يُوحنا الرائي الصّورة بالكلمات، ويستخدم الحقائق والآمال والمخاوف والخيال والأساطير التي يفهمها مُعاصروه جيدًا، ثم يحوّلها إلى عناصر تدخل في تكوين المعنى النبوي المسيحي الذي يقصد إيصاله للمؤمنين.
من أجل ذلك يُعدُّ خطًأ فادحًا أن يحاول أحدُهم فهم سفر الرؤيا مُجرّدًا من الزمان والقرينة التاريخيّة. ويتّسق طابع هذه الصّور مع خلفيّة سفر الرؤيا باعتباره خطابًا مُوجّهًا إلى الكنائس السبع في آسيّا. إن أصداء الثقافة و السياسة والمجتمع والدين -في المجتمع الذي عاش فيه القُرّاء الأوائل- تحتاج أن تُفهم فهمًا جيّدًا حتى يُستوعب هذا السفر استيعابًا صحيحًا اليوم.
لم يكن الغرض من هذه الصّور مجرّد خلق عالمٍ جميل لكنه قائمٌ بذاته دون أن يكون ذا صلة بالمجتمع آنذاك، بل لقد كان القصد من الجماليّات أن تعكس صورة العالم الذي عاش فيه القُرّاء بغرض إصلاح -بل إعادة تشكيل- الصّورة الذّهنيّة التي ملأت أذهان القُرّاء عن العالم. ورغم أن الصّور في سفر الرؤيا مُرتبطةٌ بزمانها وبالمجتمع الذي ظهرت فيه، إلا أنّنا ينبغي ألا نقع في التطرُّف المُقابل فنُصدّق أن هذه الصّور يجب أن تُفهم حرفيًّا أو كوصفٍ للعالم «الحقيقيّ». إن هذه الصّور ليست فقط مُجرّد شفرات أو نظامٍ من الرموز ينتظر أن نحوّله أو نترجمه إلى مجموعة من المعاني المفهومة للقُرّاء المُعاصرين، بل بمجرد أن نبدأ في إظهار تقديرنا لمفردات الثقافة القديمة الغنيّة بالرموز فإنّنا نُدرك وقتها أن هذه الرموز لا يجب أن تُفهم بشكلٍ حرفيّ أو كأوصافٍ مُشفّرة، بل ينبغي أن نقرأها في معانيها اللاهوتيّة القويّة التي تستحضر تجاوبنا لعمل الله في حياتنا وعالمنا.
وعلى سبيل المثال، لنمعن النظر في الصّور البلاغيّة الخاصة بضربات الأبواق السبعة (8: 6-9: 21)، والجامات السبعة (16: 1 – 21). إن هذه الصّور تُعطي وصفًا أدبيًّا مُصغّرًا للغاية ولكنها تحمل في ذاتها معاني لاهوتيّة. ومن بين معانٍ أخرى كثيرة يُشيرُ الرائي، من طرف خفيّ، إلى الضّربات التي لحقت بالمصريين القدماء خلال حادثة الخروج، وكذا إلى سقوط أريحا بين يديّ أبطال جيش يشوع، وإلى جيش الجراد الموصوف في نُبُوّة يوئيل النبيّ، وإلى الظهور الإلهيّ في سيناء، وإلى الخوف الذي عاصر زمن الرائي جرّاء تهديد الفرسان البارثيين، وإلى الزلازل التي كانت تحدث فتُهدّد مُدن مُقاطعة آسيّا. ولم يكن بعيدًا عنهم الثورة غير المتوقّعة لبركان فيزوف بما يحدثه من أضرار مُرعبة لمُدن البحر المتوسط. لقد أخذ يُوحنا بعضًا من أسوأ خبرات مُعاصريه ومخاوفهم من الحروب وتهديدات الكوارث الطبيعيّة، ومزجها معًا لتكبر وتزداد، صانعًا منها جميعًا كتابته الرؤيويّة ذات التعبيرات الكتابيّة. إن الأمر المهم بالنسبة ليُوحنا لم يكن التنبؤ بسلسلة من الأحداث، بل إثارة معاني الدينونة الإلهيّة واستكشافها واستحضارها أمام عيون القُرّاء؛ هذه الدينونة التي اعتبرها وشيكة الحدوث لمجازاة العالم الفاجر الفاسد الشرير.
إن آخر الجامات السبعة كان سقوط بابل في زلزال عنيف لم يسبق له مثيل (16: 17: 21)، فإذا ما تناولنا هذا الأمر باعتباره نُبُوّة حرفيّة، فسرعان ما سنكتشف وجود صُور مُتعارضة مع هذه الصّورة مثل صورة سقوط بابل في الهاوية. ففي 17: 16 تُصوّر بابل على أنّها الزانية النهمة السكرى التي ستُحرق بالنار من قبل الوحش والملوك العشرة. إن الصّورة هنا تستحضر العقوبة التقليديّة للعاهرات في الزمان القديم بسبب زناهُن. وعليه، فسوف تُسّوى المدينةُ العاهرة بالأرض من قبل الجيش الآتي عليها بسبب شرّها. وفي أصحاح 18 يتوسّع الرائي في وصف صورة المدينة المُحاصرة والمحروقة إلى الأرض (لا سيّما 18: 8 «مِن أَجلِ ذلِكَ فِي يَومٍ وَاحِدٍ سَتَأتِي ضَرَبَاتُهَا: مَوتٌ وَحُزنٌ وَجُوعٌ، وَتَحتَرِقُ بِالنارِ، لأَنَّ الربَّ الإِلهَ الذي يَدِينُهَا قَوِي»). لقد أخبرنا الراوي أيضًا أن المدينة تطاردُها حيواناتُ الصّحراء (18: 2)، وأنّ «دُخَانهَا يَصعَدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِين» (19: 3). وإذا ما أخذ القارئ هذه الأوصاف بشكلٍ حرفيّ فإنه سيكتشف أن هذه الصّور تتعارض تمامًا مع بعضها البعض، ولكن على المستوى اللاهوتيّ فهذه الصّور تحملُ إشاراتٍ ومعاني من العهد القديم، كما تحمل -في نفس الوقت- صُورًا مشهورة من الأساطير المُعاصرة التي كانت تُتداول بين قُرّاء ذلك الزمان الذي كتب فيه الرائي. إن الصّورة هنا تحمل وجهات نظرٍ مُتكاملة عن معنى سقوط بابل.
إنّ الزلزال الوارد ذكرُه في 16: 17-21 هو الزلزال الذي يصاحب الحضور الإلهيّ الذي ينذر بالدينونة النهائيّة، وإقالة بابل من قبل الوحش وحلفائه هي صورة تحمل تلميحًا لأسطورة مُعاصرة كانت تزعُم باقتراب عودة الطاغية نيرون لتدمير روما. إنها صورةٌ لطبيعة التدمير الذّاتي للشر. وهذه الصّورة على الرغم من وجاهتها- إلا أنّها تتعارض مع الفكر اللاهوتيّ الذي يقضي بأنّ الشر سوف يُدمّر بالدينونة النهائيّة على مثال دينونة الله لسدوم وعمورة في العهد القديم. وعلى مثال إهلاك سدوم وإغراقها في البُحيرة المُتقدّة بالنار والكبريت. هكذا سيتصاعد دخانُ بابل إلى أبد الآبدين (التكوين 19: 28؛ رُؤيا 14: 10-11؛ 19: 20). إن فكرة خراب بابل تستدعي إلى الأذهان الصّورة النبويّة الواردة في العهد القديم عن مصير كُلٍّ من آدوم وبابل، وكليهما كانا أكبر عدويْن لدوديْن لشعب الله في العهد القديم.
إنّ كُلّ ذلك وأكثر ممّا يردُ في هذه الأصحاحات يخلق لنا صورةً رائعة ومتماسكة عن المعنى الكتابيّ واللاهوتيّ لدينونة الله التي تُعلنها نُبُوّة يُوحنا ضد روما. أمّا إذا حاولنا أن نقرأ هذه الأصحاحات باعتبارها نُبُوّة عن كيفيّة حدوث دينونة هذا العالم الخاطئ فإنّنا سنسقط في هُوّة التشويش، وسنفقد الجوهر الحقيقيّ لمعنى نُبُوّة الرائي. ولعلّ كتابات كثيرة دعت القارئ المُعاصر إلى فهم حقيقة الصّور والاستعارات الواردة في سفر الرؤيا، من خلال إجراء الدراسات الوثيقة الصّلة والمناسبة التي تمكّن القارئ المعاصر من سبر أغوار الكثير من المعاني اللاهوتيّة للسفر. إن سوء فهم طبيعة الصّور الجماليّة والمعاني التي تحملها هذه الصّور حدث مع الكثير من التفسيرات والشروحات التي تناولت سفر الرؤيا حتى هذه الشروحات التي صدرت عن علماء الكتاب الأفذاذ المُدقّقين. وفي هذا الكتاب نحتاج أن نُنبّر -على وجه الخصوص- على الطريقة التي اتبعها يُوحنا لتطوير استخدام الصّور الجماليّة خلال تواصله مع القُرّاء لتوصيل فكره اللاهوتيّ. ورغم أن سفر الرؤيا لا يحتوي على الأفكار والحجج اللاهوتيّة التي يألفُها قُرّاءُ العهد الجديد، كما في رسائل الرسول بُولُس مثلًا، إلا أنّنا لا يجب أن نترك السبيل للظن بأنّ كتاب رُؤيا يُوحنا أقل قيمة في اللاهوتيّات من أيٍّ من كُتب العهد الجديد الأخرى. إن الصّور هي مجرّد وسيلة لتوصيل المعاني اللاهوتيّة بطريقةٍ أقل تجريدًا نسبيًّا من كتابات الرسول بُولُس. إنها صور جماليّة قادرة على حمل الكثير من المعاني اللاهوتيّة «المضغوطة»، وتصويرها بمزيد من الدقّة، في عدد قليل من الكلمات التي تحمل معانٍ لا حصر لها. إن طريقة العرض ومضمون المعاني في سفر الرؤيا يختلفان نسبيًا عن سائر أسفار العهد الجديد، لكن ذلك يزيد من تقديرنا لهذا السفر الجليل. إن سفر الرؤيا يُمكن أن يُنظر إليه على أنّه واحدٌ من أروع الأعمال الأدبيّة في العهد الجديد، وهو أيضًا واحدٌ من أعظم الإنجازات اللاهوتيّة في تاريخ المسيحيّة كُلّه. والأكثر من ذلك فإنّ عظمته اللاهوتيّة وروعته الأدبيّة لا يُمكن فصلهما عن بعضهما البعض.
[1] بابل: إشعياء 13: 1- 14: 23؛ 21: 1- 10؛ إرميا 25: 12- 38؛ 50: 1. صور: إشعياء 23؛ حزقيال 26- 28. لدراسة هذه الفكرة، ولكُلّ ما يتعلّق باستخدام سفر الرؤيا لنُبُوّات العهد القديم، أحيل القارئ إلى كتاب «إشعياء والتقليد النبوي في سفر الرؤيا».
J. Fekkes III, Isiah and Prophetic Tradition in the book of Revelation: Visionary Antecedents and their Development (Ph.D thesis, University of Manchester، 1988) .
[2]J.J. Collins، Introduction: Towards the Morphology of a Genre, Semeia 14 (1979), 9.
[3]See especially C. Rolan, The Open Heaven (London: SPCK، 1982).
[4] Resurrection as Giving Back the Dead: A Traditional Image of the Resurrection in the Pseudepigrapha and the Apocalypse of John، forthcoming in J. H. Charlesworth and C. A Evans، eds.، The Pseudepigrapha in the New Testament: Comparative Studies (to appear in The Journal of the Study of the Pseudepigrapha Supplement Series; Sheffield Academic Press، 1992); and chapter 2 (“The Use of Apocalyptic Traditions”) in R. Bauckham، The Climax of Prophecy: Studies in the Book of Revelation (Edinburg: T. & T. Clark، 1992).من أجل فهم أفضل للتقليد الرؤيويّ اليهودي راجع للمؤلّف كتابه
[5] See D. L. Barr، “The Apocalypse as a Symbolic Transformation of the World: A Library Analysis”, Int. 38 (1984), 39-50.
[6] See, e.g., R. Bauckham, 'The Rise of Apocalyptic', Them. 3/2 (1978), 10-23; Rowland, Open Heaven, 126-35.
[7] See D. L. Barr, “The Apocalypse of John as Oral Enactment”, Int. 40 (1986) 243 56.
[8] See, e.g.، D. S. Russell, The Method and Message of Jewish Apocalyptic (London: S CM Press, 1964), 2 7 - 3 9 ; Rowland, Open Heaven، 240 5; D. G. Meade, Pseudonymity and Canon (WUNT 39; Tubingen: Mohr (Siebeck), 1986), chapter 4.
[9] G. K. Beale, The Use of Daniel in Jewish Apocalyptic Literature and in the Revelation of St
John (Lanham, New York and London: University of America Press, 1984).
[10] E.g. Russell, Method and Message, 17.
[11] لاحظ أطروحة المخطوطة الموراتوريّة التي تقول بأنّ كُلًا من يُوحنا الحبيب «في سفر الرؤيا» وبُولُس الرسول قد كتبا للكنيسة كُلّها إذ كتبا إلى « السبع» الكنائس.
[12] S. J. Scherrer, 'Signs and Wonders in the Imperial Cult: A New Look at a Roman Religious Institution in the Light of Rev. 1 3: 1 3 - 1 5 ', JBL 103 (1984), 5 9 9 - 6 1 0.
[13] See P. J. J. Botha, 'God, Emperor Worship and Society: Contemporary Experiences and the Book of Revelation', Neol. 22 (1988), 8 7 - 1 0 2.
[14] Cf D. Magie, Roman Rule in Asia Minor to the End of the Third Century after Christ (Princeton University Press, 1950), 1 6 1 3 - 1 4 ; S. R. F. Price، Rituals and Power: The Roman Imperial Cult in Asia Minor (Cambridge University Press, 1984)، 4 0 - 3 ، 252، 254; R. Mellor, 0EA PCOMH: The Worship of the Goddess Roma in the Greek World (Hypomnemata 42; Gottingen: Vandenhoeck & Ruprecht, 1975), 79-82.
[15] R. Bauckham, 'The Figure of John of Patmos', in Ann Williams, ed. Prophecy and Millenarianism: Essays in Honor of Marjorie Reeves (London: Longman، 1980), 1 6 - 2 1; in revised form: chapter 6 ('The Lion, the Lamb and the Dragon') in Bauckham, The Climax of Prophecy.
[16] See chapter 11 ('Nero and the Beast') in Bauckham, The Climax of Prophecy.